Start writing here...رجاء عبدالله المصعبي من أبناء محافظة ريمة، ولدت عام 1968 في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية، حيث كان يعمل والدها، وعادت مع أسرتها إلى اليمن، بعد أن استكملت تعليمها الابتدائي، وفيها استكملت تعليمها الثانوي والجامعي.
في السنة الأولى من عمرها أصيبت المصعبي بشلل الأطفال، الذي تسبب لها بإعاقة جسدية، ما جعلها تعيش معظم طفولتها في المستشفيات، تبحث عن علاج، ساءت حالتها إثر تعرضها لخطأ طبي في أحد المستشفيات، اضطرت أسرتها لعلاجها بالكي الذي تسبب في تلف لبعض الأعصاب وأدى إلى إصابتها بإعاقة دائمة في يدها اليسرى.
لم تستسلم لتلك الإعاقة، وتظل حبيسة المنزل، كما أنها لم تخضع لعادات وتقاليد المجتمع، التي تحصر دور المرأة في الإنجاب والعمل داخل المنزل، فقد استطاعت بإرادتها، وطموحها الكبير، أن تتخطى ظروف الإعاقة، وتكسر القيود الاجتماعية.
لتصبح خبيرة ومدربة دولية في مجال حقوق الإنسان وبالتحديد حقوق ذوي الإعاقة، وسفيرة النوايا الحسنة للسلام الدولي.
في هذا الحوار نغوص في تفاصيل رحلتها الحافلة بالتحديات، والمتوّجة بالعديد من النجاحات الملهمة، لامرأة ما زالت على قيد العطاء، رغم إعاقتها.
منصة أصوات نساء يمنيات: كيف كانت مسيرتك العلمية والعملية؟
رجاء المصعبي: بعد أن أنهيت دراسة الثانوية في محافظة الحديدة، اضطررت للانتقال إلى صنعاء، لمواصلة تعليمي الجامعي، وحصلت في عام 1985على بكالوريوس لغة إنجليزية من كلية الآداب جامعة صنعاء، وكنت من أوائل اليمنيات الملتحقات بالجامعة، في هذا التخصص.
لم يتوقف مشوراي العلمي عند ذلك المستوى، فقد نلت درجة الماجستير في الدراسات النسوية من مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية بجامعة صنعاء، وماجستير آخر في حقوق الإنسان من مركز حقوق الإنسان بجنيف، إضافة إلى العديد من الدبلومات والدورات التدريبية الدولية في مجال حقوق الإنسان وبناء السلام.
بدأت حياتي المهنية مبكراً، حيث عملت في إذاعة الحديدة منذ أن كنت طالبة في المرحلة الإعدادية، وبعد انتقالي إلى صنعاء لدراسة اللغة الإنجليزية، عملت مسؤولة الترجمة الفورية بقسم الأجانب في مستشفى الثورة بصنعاء، ثم عملت مسؤول السكرتارية الفنية لتحديد نسب العجز في نفس المستشفى بالإضافة إلى نائبة رئيس قسم الأجانب.
ثم تم تعييني مديرة لإدارة جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى والاعتماد بوزارة الصحة، وكان لي و للفريق و الإدارة الفضل في تأسيس فريق منسقي الجودة في الوزارة، وفي كل المكاتب والمستشفيات الحكومية التابعة للوزارة، وتشكيل فريق الاعتماد الوطني كأول تجربة في المنطقة العربية.
منصة أصوات نساء يمنيات: ما التحديات التي واجهتك في مسيرتك العلمية والعملية؟
رجاء المصعبي: تمثل نظرة المجتمع الدونية للمرأة بشكل عام، والمعاقة بشكل خاص، أكبر التحديات بالنسبة لي، فالمجتمع يتجاهل ذوات الإعاقة، ولا يؤمن بقدراتهن، وأتذكر بحرقة عندما كانت النساء تزرن والدتي وأنا في غيبوبة ويقلن لها: "أتركيها تموت أعز لها"، لكن أمي رحمها الله لم تفعل ذلك، بل احتضنتني وأولتني كامل الرعاية والاهتمام.
إلى جانب الإهمال الحكومي لذوي الإعاقة، وعدم الاهتمام بهم، وتوفير احتياجاتهم الخاصة، وهو ما دفعني للعمل الحقوقي.
منصة أصوات نساء يمنيات: كيف تمكنتِ من التغلب على تلك التحديات وتحقيق أهدافك؟
رجاء المصعبي: تمكنت من التغلب على تلك المعوقات والتحديات بدعم أسرتي وتقبلها لإعاقتي، وتعامل والدي وأمي، وإخواني معي بكامل الحنان والرعاية والتقدير دون أي تمييز، إلى جانب اهتمام والدي بالتعليم، ودفعي أنا وأخواني وبدون استثناء إلى ذلك.
منصة أصوات نساء يمنيات: ما الإنجازات التي حققتِها في مجال حقوق الإنسان؟
رجاء المصعبي: كرست معظم أوقاتي في الدفاع عن حقوق الإنسان، وعملت على المستويين الدولي والمحلي، في خدمة حقوق المرأة والطفل، وحقوق ذوي الإعاقة، فقد كنت ضمن خمسة يمنيين أسسنا أول جمعية في اليمن، "جمعية المعاقين حركياً" عام 1988، كما كنت عضواً في جمعية المرأة التي تحولت بعد عام 90 إلى اتحاد نساء اليمن، كما أنشأت في 2002 المؤسسة العربية لحقوق الإنسان، وأتولى رئاستها إلى اليوم، إلى جانب عضويتي في العديد من المنظمات، والشبكات والتحالفات المحلية والعربية والدولية.
شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية والدورات التدريبية الخاصة بحقوق الإنسان، ومثلت اليمن في العديد من المحافل الدولية، أبرزها، العمل على إقناع الحكومة عل ضرورة وجود وفد يمني مشارك في اجتماعات الأمم المتحدة لمناقشة مسودة الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والمشاركة ضمن الوفد في حضور اجتماعات الاتفاقية، وترأسي الحملة الإقليمية لمناهضة الطلاق التعسفي في اليمن.
منصة أصوات نساء يمنيات: ما الأدوار التي لعبتِها لدعم مشاركة المرأة اليمنية؟
رجاء المصعبي: اهتمامي كان بتعزيز المشاركة السياسية للمرأة اليمنية، من خلال مشاركتها في العديد من البرامج والأنشطة الخاصة، ففي انتخابات 1997 و2003 عملت مديرة لمشروع المشاركة السياسية للمرأة، وزيادة نسبة مشاركة النساء في الانتخابات كناخبات ومرشحات، كما عملت في العام ذاته كرئيس لصندوق دعم المرشحات، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع دعم قضايا المرأة، وتوعية المجتمع ورؤساء المراكز الانتخابية، بالحقوق السياسية للمرأة وتشجيعها على ممارسته.
منصة أصوات نساء يمنيات: ما التأثير الذي تمكنتِ من تحقيقه في المجتمع اليمني؟
رجاء المصعبي: من خلال عملي في جمعية المعاقين حركياً، تمكنت من دعم الكثير من النساء ذوات الإعاقة، ودفعهن نحو التعليم والعمل، حظيت بقبول كبير لدى الأسر اليمنية، كنت أنزل إلى الأحياء في صنعاء، وأسأل عن المنازل التي فيها نساء معاقات، وأدخلها، وأول ما يروني معاقة، أشعر بأن الأسرة وافقت على نصف ما أسعى إليه، لهذا استطعت إخراج الكثير من البنات من البيوت ودمجهن في التعليم وسوق العمل، في حين لم يكن هناك سوى القليل منهن متعلمات ولم يعملن من قبل".
مشاركتي في مناقشة مسودة الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وحضوري الاجتماعات التي تمت لذلك الغرض خلال الأعوام 2002-2006، حتى رأت الاتفاقية النور، بالنسبة لي أهم إنجازاتي، وأعتز بها كثيراً، والتي كانت اليمن بفضل ذلك الجهد أول دولة عربية وبعدها دولة قطر تحضران معظم اجتماعات مناقشة مسودة الاتفاقية.
وقد عيّنتني منظمة سبمودا للسلام الدولي المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، في العام 2013، سفيرة النوايا الحسنة للسلام الدولي ومديرة الفريق اليمني لبرنامج سفراء النوايا الحسنة، نظيراً لتلك الجهود.
منصة أصوات نساء يمنيات: ما التحديات التي تواجه المرأة اليمنية، وذوات الاحتياجات الخاصة في المشاركة في السلطة و مواقع إتخاذ القرار؟
رجاء المصعبي: تعتبر النساء في اليمن من أكثر الفئات تضرراً نتيجة للنزاع المسلح الذي يشهده البلد منذ سنوات، فقد تسبب الصراع في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية في اليمن، مما يؤثر على حياة النساء بشكل خاص.
وبشكل عام تواجه النساء في اليمن العديد من التحديات والمشاكل، بما في ذلك ارتفاع معدلات العنف الأسري والاعتداء الجنسي، وتحديات في الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية والتعليم وفرص العمل، وقد يتعرضن أيضاً للتمييز السلبي في القوانين والسياسات والثقافة التي تعتبر المرأة في مكان ثانوي مقارنة بالرجل.
بالنسبة للنساء ذوات الإعاقة فإنهن يواجهن تحديات إضافية في الوصول إلى الخدمات الأساسية والرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل المناسبة لاحتياجاتهن الخاصة، حيث تفتقر البنية التحتية في اليمن إلى التوفر الكافي لتلبية احتياجات النساء ذوات الإعاقة وتوفير الدعم اللازم لهن.
منصة أصوات نساء يمنيات: برأيك، ما أشكال التمييز الذي تواجهه النساء في المجتمع اليمني؟
رجاء المصعبي: تواجه النساء في المجتمع اليمني التمييز في مجموعة من المجالات، أبرزها التمييز القانوني الذي يحد من حقوق المرأة، كما تواجه النساء تمييزاً اجتماعياً وثقافياً يعزز الصورة المغلوطة بأن المرأة ضعيفة وغير مؤهلة للقيادة والمشاركة السياسية والاقتصادية.
إضافة إلى التمييز في مجال التعليم، حيث يتعذر على البعض الوصول إلى التعليم بسبب العوائق الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى تعرضهن لتقييدات في ممارسة حقوقهن المختلفة، ويفرض عليهن بعض القيود أثناء مشاركتهن في النشاطات المختلفة وتحقيق تطلعاتهن الشخصية.
منصة أصوات نساء يمنيات: كيف يؤثر التمييز على حياة المرأة وفرصها؟
رجاء المصعبي: تؤثر أشكال التمييز على حياة النساء في اليمن وفرصهن بطرق عديدة، بما في ذلك تقييد الحرية الشخصية، حيث يتعرضن لقيود في حرية التنقل، والحصول على وثائق السفر، وحرية اتخاذ القرارات الخاصة بحياتهن، سواء فيما يتعلق بالزواج، أو التعليم، أو العمل.
إلى جانب تفاقم العنف الجسدي والجنسي والعنف الأسري، فالتمييز والتحيز في المجتمع يؤدي إلى تعزيز هذا النوع من العنف وتقييد حقوق النساء في السلامة والحماية، وتضييق الفرص الاقتصادية، نتيجة للتمييز في سوق العمل، حيث يصعب على النساء الحصول على فرص عمل مناسبة وإثبات أنفسهن في مجال العمل.
إلى ذلك تعاني العديد من النساء في اليمن من تأثيرات سلبية على صحتهن النفسية نتيجة للتمييز والقيود التي يوجهنها، وتزداد احتمالية تطور الاكتئاب والقلق والتوتر النفسي، ويتسبب التمييز في تقييد مشاركة النساء في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد، بفعل عدم استغلال الإمكانات الكاملة للنساء.
منصة أصوات نساء يمنيات: كيف يمكن تحقيق تغيير حقيقي في المجتمع اليمني لتمكين المرأة وتعزيز دورها؟
رجاء المصعبي: لتحقيق تغيير حقيقي في المجتمع اليمني وتمكين المرأة وتعزيز حقوقها ودورها، يجب أولاً إيقاف الحرب الدائرة في البلاد وتعزيز السلام.
تالياً يجب العمل على زيادة التوعية بحقوق المرأة وتعزيز قيم المساواة في الحقوق بين الجنسين، من خلال حملات توعية في وسائل الإعلام والمدارس والمجتمعات المحلية لتغيير الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، كما ينبغي إصلاح القوانين والسياسات التي تفرق بين الرجال والنساء وتحد من حقوق النساء، وتعزيز القوانين التي تحمي النساء من العنف الأسري والاعتداء الجسدي والجنسي وتعزز حقوقهن في المجالات الاقتصادية والسياسية.
وتوفير فرص التعليم المتساوية والمناسبة للنساء والفتيات، بما في ذلك التعليم المهني والتدريب لتمكينهن اقتصاديا وتعزيز مشاركتهن في سوق العمل، وتعزيز المشاركة النسائية في القطاع العام والخاص، والمشاركة السياسية واتخاذ القرارات على المستوى المحلي والوطني.
ويتطلب ذلك جهوداً مستمرة وتعاوناً قوياً بين الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات الدولية والفردية لتحقيق التقدم المطلوب، فيجب أن يتعاون المجتمع الدولي مع اليمن لدعم جهود تمكين المرأة وتعزيز حقوقها، من خلال تبادل المعرفة والخبرات وتوفير التمويل المناسب لبرامج التنمية التي تستهدف تحقيق المساواة في الحقوق بين الجنسين وتمكين النساء.