زواجها المبكر بعمر 15 عامًا لم يكن عائقًا أمامها لإكمال تعليمها، فقد ثابرت وأبت إلا أن تكون حاضرة في ظروف معيقة للنساء، في مجتمع كان بعيدًا عن الاعتراف بجزء بسيط من حقوق النساء، لكنها غيرت حالها وحال كثير من النساء في منطقتها..
بشارة عبده أحمد،( 40 ) عامًا، أم لثلاثة أطفال، من عزلة الصِنَة بمديرية المعافر جنوب تعز، انتقلت بعد زواجها إلى منطقة "السواء" في المديرية ذاتها، أكملت تعليمها الأساسي بعد زواجها، وواجهت صعوبة في تلك المنطقة؛ كون التعليم هناك ممنوع على الفتيات، تقول بشارة: " تزوجت مبكرًا، حيث كان زواج الفتيات الصغيرات حينها من عادات المنطقة، ولا خيار للفتاة سوى الزواج بهذا السن، لكني جاهدت فوق طاقتي عكس قريناتي اللاتي تزوجن وتركن التعليم، وأكملت تعليمي بعد زواجي وأنجبت ابنتين وأنا في مرحلة التعليم الأساسي، ثم التحقت بدبلوم معلمين، واجتهدت لأصل لحلمي".
تحدي البداية
كانت أول الموظفين عند افتتاح معهد الخيامي للتعليم الفني والمهني في العام 2003، وكانت أول امرأة تدخل المعهد، واستمرت في إكمال تعليمها " البكالوريوس"، وعندما رأت المجتمع في منطقتها يحرم المرأة من التعليم ومن أبسط حقوقها، جاءتها فكرة إنشاء منظمة أو تأسيس فرع لاتحاد نساء اليمن يعنى بخدمة النساء.
تقول بشارة: " عندما لامست ورأيت الوضع في المنطقة متدني، والمرأة محرومة من أبسط حقوقها قررت أن نفتتح فرعًا لاتحاد نساء اليمن في المنطقة فتواصلت حينها مع الأستاذة سعاد العبسي رئيسة اتحاد نساء اليمن سابقًا، ولمناقشة ذلك تنقلت من القرية إلى المدينة حتى أقدم فكرة إنشاء فرع الاتحاد".
واجهت بشارة العديد من الصعوبات والتنمر والتهكم والتهم الكيدية تحت مبرر إفساد المجتمع، لكن ما لبثت أن تغيرت هذه النظرة أمام إصرارها وعزيمتها فالتف المجتمع حولها وساندها بقوة. أسست فرع اتحاد نساء اليمن وترأسته منذ العام 2002، وكان من حسن الحظ وجود مبنى قدمته شركة تجارية لأبناء المنطقة في العام 2006، فبادرت إلى التواصل مع السلطة المحلية والمشائخ والأعيان في المنطقة واستلمت المبنى، ثم تواصلت مع منظمات للتبرع بتأثيث المركز، وعملت في الاتحاد بدعم من منظمة أوكسفام لتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيا، ودربت العديد من النساء الأميات، كما أنها استمرت في عملها بمعهد الخيامي للتعليم الفني والمهني.
بعد افتتاحها فرع الاتحاد عادت الاتهامات تلاحقها مجددًا من بعض أعيان ومشايخ المنطقة، مرحلة تصفها بشارة بالقول: "كنت أجد رسائل تهديد صريحة من أصحاب السلطة في المنطقة لإغلاق المركز النسوي؛ كانوا يعتبرون نشاطي انفتاحًا يفسد النساء، حاولوا عرقلة عملي وإغلاق المركز، لكنني لم أستسلم، بل زاد إصراري وتجاهلت كل التهديدات، وفتحت المركز وباشرت عملي بشكل طبيعي".
في مرات كثيرة كانت بشارة تجد أمام بوابة المركز مرافقين لشيخ القبيلة يحملون رسالة بإغلاق المركز، وترد عليهم بأن يبلغوا الشيخ أن يأتي بنفسه للمركز ويطلع على أوضاع النساء في المنطقة، وينظر عن قرب لمشاكلهن.
مشروع مياه عاد للحياة
في العام 2016 أعادت بشارة افتتاح مشروع مياه بمنطقة شُباط الكَلائِبة في المعافر بعد خلاف على المشروع وإغلاقه منذ عام 1983 عبر منظمة البحث عن أرضية مشتركة، حيث كانت متطوعة ضمن الوسطاء لحل الخلاف في تلك المنطقة، ورغم كل التحديات والعراقيل التي واجهت غيرها من الوسطاء لحل الخلاف إلا أنها اختارت أن تحل هذه القضية الهامة للناس، بدافع وإصرار ذاتي تعبر عنه بقولها: "اخترت أن أحل الخلاف على هذا المشروع وأصريت على ذلك رغم أن الكثير نصحني بأن لا أتدخل؛ لأن أشخاصًا آخرين كانوا قد تدخلوا وفشلوا، لكني أصريت للعمل على ذلك".
كانت مشكلة المياه أبرز وأهم المشاكل في مديرية المعافر، حيث دخلت بحوار مع الأطراف المتصارعين على مشروع المياه ـ إدارة المشروع وأبناء المنطقة ـ عقدت ثلاث جلسات حوار علنية مترجمة بذلك ما تعلمته خلال حضورها دورة حل النزاعات، كانت تعقدها مع الناس بشكل دائم لمحاولة تقريب وجهات النظر للخروج برؤية واضحة عن احتياج الطرفين، وقامت بعمل التزام تضمن فيه أن الأهالي سيقومون بدفع فواتير المياه للمشروع على مراحل.
تنمر وتهكم وانتصار
واجهت بشارة مشاكل عدة أثناء التدخل لحل الخلاف على مشروع المياه، لم يتقبل المجتمع حينها تدخّل امرأة لحل نزاع بين الرجال فقد كانت تعقد لقاءات واجتماعات برجال المنطقة، ولم يثنها الهجوم والتهكم، بل زادها إصرارًا لإكمال مهامها والوصول إلى حل المشاكل التي يعانيها أبناء المنطقة، عن ما واجهته تقول: "كانت من ضمن المضايقات التي تواجهني كلمات تهكم منها "تتمشيخي" على الرجال، أو قدك شيخ، كانت هذه الكلمات توجه لي أثناء العمل على حل النزاع بشكل مستمر، فالمجتمع هناك يمنع أن تخرج المرأة للعمل، أو للدراسة، أو تختلط بالرجال، لكني لم أخف أو أتراجع في إكمال ما بدأته".
بشارة هي الأولى والوحيدة في منطقتها التي كسرت القيد المجتمعي الذي كان يحد من تقدم المرأة أو الحصول على حقوقها، ونقلت معاناة النساء جراء حرمانهن من مشروع المياه منذ سنوات وجلبهن للمياه بالطرق التقليدية على رؤوسهن، فالبعض منهن تعرضن لإصابة في غضاريف العمود الفقري، واحتكاك بالعظام، وتسببت هذه المعاناة بإعاقة بعض من النساء، حيث كانت النساء والأطفال يجلبون المياه في الجبال منذ ساعات الفجر الأولى، ولم يأبه الرجال لهذه المعاناة التي وظفتها بشارة في حل النزاع بمساعدة نساء المنطقة اللواتي وقفن بكل قوة أمام الرجال وتحدثن عن معاناتهن بكل وضوح.
ترى بشارة أن المرأة باستطاعتها الوصول إلى طموحها وإثبات ذاتها والنجاح في عملية الوساطة المجتمعية لحل الخلافات حتى وإن كانت في مجتمع لا يتقبل وجودها، ولا شيء يمكن أن يعيقها، وتؤمن بنجاح أي امرأة طالما عندها الإرادة، والفهم الكافي، والفرصة المتاحة، ولابد أن يكون لدى المرأة القوة، والمهارة لقراءة الواقع بشكل صحيح، واستقلالها المالي حتى تستطيع امتلاك قرارها، حد قولها.
رغم الصعوبات التي واجهتها بشارة إلا أنها نجحت في إعادة افتتاح مشروع المياه، واستفادت منه ثلاث قرى، نجاح كُلّل بعودة فتيات تلك القرى إلى مواصلة تعليمهن بعد أن تسربن من التعليم جراء انشغالهن بجلب المياه، وهو انتصار يضاف إلى مشوار بشارة الحافل بالانتصارات.