تصوير اليمن بعدسات نسائية
زين العابدين بن علي

على الرغم من التحديات والمعوقات، تستمر النساء اللواتي اتخذن من التصوير مهنة أو هواية في صقل مهارتهن. يعد تشجيع المجتمع والزملاء في الفضاء العام دافعًا كبيرًا للاستمرار في هذا المجال. تبرز قصص هاجر، أمة وتسنيم القوة والعزيمة التي تتميز بها المرأة اليمنية رغم الظروف الصعبة التي تواجهها. إنهن يسعين لإلهام وتحفيز النساء الأخريات لاستكشاف هواياتهن ومواهبهن وتحقيق أحلامهن. تبقى هذه القصص مصدر إلهام لنا جميعًا وتذكير بأن الأمل والجمال موجودان حتى في أصعب الظروف وأن ما يجمعنا هو قوتنا وعزيمتنا لتحقيق تغيير إيجابي في حياتنا ومجتمعاتنا. 


قصة هاجر

واجهت العشرينية هاجر الجبلي مرارة النزوح إلى محافظة مأرب، ولكنها ترتدي الكاميرا كأنها درعاً لها - تتقاطر الذكريات السعيدة من خلال عدستها، توثق المشاهد الفرائحية، وتوقف عقارب الزمن عند اللحظات الجميلة. لا يمكن أن تمر ابتسامة أو فرحة أمام هاجر دون أن ا تلتقطها بعدستها. 


"هذه الصورة أجمل صورة التقطها وهي في رحلتي وهذي تذكري. لحظة جميلة، تجعل من ينظر اليها يشعر بسرور وراحة." © هاجر الجبلي 

"صور اليوم ذكرى الغد" هذا هو شعار هاجر الذي دفعها للتشبث بالتصوير منذ الطفولة، حيث تحب تجسيد اللحظات التي لا يمكن تكرارها أو نسيانها والتي تعني الكثير للآخرين. 

"إن توثيق لحظات الفرح المسروقة داخل خيمة نزوح كبيرة تطغى عليها المعاناة والبؤس يبعث على الأمل والشغف والتحدي،" تضيف هاجر بنبرة مؤثرة. 

صور اليوم ذكرى الغد. 


تحاول المرأة كسر احتكار مهنة التصوير واقتصار العمل فيها على الذكور، إلا أن هناك صعوبات وتحديات تواجهها. العادات والتقاليد وثقافة العيب التي لا تؤمن بعمل المرأة عموما، هي أكثر صرامة تجاه عملها في مهنة التصوير. تؤكد ذلك هاجر بقولها: "التقاليد تمثل حجر عثرة كبير أمامنا." 

الحرب الدائرة منذ سنوات وتعدد التشكيلات العسكرية وجعلت حامل الكاميرا مستهدفا من قبل أطراف الصراع. 

"مجرد أن تحمل الكاميرا في الشارع فأنت بالنسبة لأطراف الحرب عميل ومخبر ومجرم، وتصبح الهدف السهل لهم، " تقول هاجر. 

على الرغم من تحديات الذكورية التي واجهتها في مجال التصوير واستيائها من ذكورية مسئولي التصوير لدى الجهات والمؤسسات، إلّا أنها تعبر عن امتنانها لأحد زملائها الذي "كان له الفضل في تشجيعي ودفعي للفضاء العام".  

قصة  أمة 

أمة الرحمن العفوري، مصورة عملت بجد خلال السنوات الماضية على توثيق مأساة الحرب والمعاناة التي لحقت بالشعب اليمني. ولكن، بالرغم من الصعوبات والتحديات التي واجهتها، فإنها ما زالت متحمسة وملتزمة بمهنتها في التصوير. 

"تمثل هذه اللقطة عدن، صنعاء والفن هذا الصورة مفضلة لدي  لأنها اول صورة التقطها وهي تجعلني أشعر بالفخر والراحة لأني حققت إنجاز كبير في حياتي." © أمة الرحمن العفوري

تقول أمة: "التحدي الأكبر هو اختياري لهذه المهنة، من داخل مجتمعي الريفي الذي لا يؤمن بعمل المرأة خارج المنزل أساسا، ناهيك عن مهنة التصوير والإعلام". 

عبرت أمة بهوايتها وشغفها في التصوير من أقاصي مديرية ماوية في محافظة تعز، حيث التقاليد والعادات الصارمة تجاه الفتاة، إلى محافظة عدن. هناك وجدت بُغيتها. "عدن بيئة مناسبة ومشجعة لكل الأعمال، وكان للمجتمع العدني دور كبير في مساعدتي لاحتراف فن التصوير والعمل في هذه المهنة". 

الأمل ما زال موجودا،
والمجتمع في عدن ساعدني كثيرا.

مع ذلك، فيبقى "العمل الميداني مرهق ويحتاج إلى صبر، فمهما كان المجتمع واع إلا أن هناك مضايقات عابرة أدناها لفظية،" تقول أمة. تعرضت أمة للعديد من المضايقات والتحريض والمنع من التصوير بسبب التعصب الحزبي والسياسي. مهنة التصوير بالنسبة للنساء "مجازفة، وكل ضغطة زر قد تدفع ثمنها،" تقول أمة.  

رغم هذه التحديات والمعوقات أمام المصورات، إلا أن هناك ما يدفع أمة للاستمرار وفرض نفسها في هذا المجال. "الأمل ما زال موجودا، والمجتمع في عدن ساعدني كثيرا في صقل موهبتي وتشجيعي، كما أن شغفي الشديد بمهنتي يدفعني للتغلب على كل ما يحبطني".   

"التعايش في عدن. هذه اللقطة تمثل الصورة الحقيقية لمدينة عدن في البساطة والتعايش منذ القدم." © أمة الرحمن العفوري 

قصة تسنيم

تقتصر أعمال وتغطيات غالبية المصورات في اليمن على الأعراس والمناسبات الفرائحية، النسوية منها، تحديدا تلك التي ليس بإمكان الذكور تغطيتها. أما من كسرن هذا الحاجز، وخرجن للعمل في الشوارع والأماكن العامة، وتغطية الأحداث والفعاليات المختلفة، فيواجهن تحديات ومعوقات كثيرة.  

تسنيم المحمدي، مصورة تعمل في محافظة تعز. تقول تسنيم إن "نظرة المجتمع القاصرة هي أكبر عائق أمامي لمزاولة مهنتي والتحليق عاليا." 

إنه شعور يبعث على الحماس.  

لا تقتصر المعوقات التي تحول دون ممارسة مهنة التصوير على التقاليد فقط، بل تتعداها إلى الظروف السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد. فالحرب المستمرة منذ سنوات وتعدد التشكيلات العسكرية تحد من حرية حامل الكاميرا وتجعلها المستهدف الأول لأطراف الصراع. 

"صورة تجمع أهم معالم تعز: قلعة القاهرة وجامع المظفر." © تسنيم المحمدي 

"عند نزولنا الميداني لتصوير تقارير اجتماعية أو عامة ترصد حياة الناس، يباغتنا المسلحون والمتطفلون، ونتعرض لمضايقات كثيرة،" تقول تسنيم. "أحيانا أوقف التصوير، وأحيانا أحذف بعض الصور تجنبا لمشاكل أكبر قد تواجهني." 

رغم هذه التحديات والمعوقات أمام المصورات، إلا أن هناك ما يدفعهن للاستمرار وفرض أنفسهن في هذا المجال. 

ترجع تسنيم الدافع الكبير لكفاحها واستمرارها في المهنة هو ذلك الارتياح الذي تبديه زميلاتها أو من تعمل لديهم، "عندما تعجبهم التقاطات وتصوير عدستي" وتضيف بابتهاج: "إنه شعور يبعث على الحماس.." 

شاركت بهذه الصورة في مسابقة التصوير لمهرجان العيد الرابع في مدينة تعز وحصلت على المركز العاشر." © تسنيم المحمدي 


شارك هذا البوست
عندما تصبح المرأة  كلمة: العورة، العيب والمكلف
إصلاح صالح