الترافع وحل النزاعات حبّا للعدالة والإنصاف
صقر أبو حسن

خاضت تجربة استثنائية في مجتمع يرى اقتحام المرأة لمهنة المحاماة والترافع أمام القضاء وحل النزاعات "عيبا"، لتتجاوز عرفا مجتمعيا يرى أن مهنة المحاماة للرجال فقط، وشقت لنفسها طريقا جديدا؛ لتفتح المجال أمام بنات جنسها في مدينة تحاط بالقبائل من جهاتها الأربع. 

إنها ابتهال محمد الكوماني المحامية والناشطة المجتمعية والحقوقية بمحافظة ذمار، ذات الـ 27 سنة، التي لا يمكنك ذكرها دون الإشارة إلى ما وصلت إليه، رغم اعتراض الكثير من أقربائها، وواصلت رحلتها بمساندة ودعم والدتها ووالدها، حتى إنها كانت إحدى فتاتين من بين ستين طالبة في دفعتها. 

 مجتمع يرى اقتحام المرأة
لمهنة المحاماة والترافع أمام
القضاء وحل النزاعات "عيبا".


تحكي الكوماني عن تلك المرحلة كدافع أوصلها إلى ما هي فيه اليوم: "استندت إلى حب العدالة والإنصاف، وأن أكون سندا وعونا للمظلومين، وأن أدافع عن قضايا النساء والأطفال كهدف لي واجهت به كل ما تعرضت له من رفض واستهزاء لمجرد أني قررت أن أدرس 'الشريعة والقانون' وأصبح محامية".

تتذكر جيدا أول موقف صدامي مع قاض في قاعة المحكمة، عندما ناداها "مَكْلَف"، لتدخل معه في جدال مستفيض حول الكلمة، معناها وجدواها ولماذا ناداها بها، لينتهي بها المطاف إلى منعها من حضور الجلسات والترافع لديه.

لكن ذلك لا يعني أن القضاة كلهم لديهم ذات النظرة تجاه ترافع النساء في المحاكم، كما تقول. 

أودو • نص وصورة

لم يكن حضور ابتهال الكوماني إلى المحاكم كمحامية أول تجربة لها لاقتحام دهاليز القضاء.

قبل ذلك، عملت ابتهال خلال سنوات دراستها الجامعية "كاتبة غير معتمدة لدى قاض جزائي" لمدة عامين في محكمة الاستئناف، بهدف كسب الخبرة حول القضايا والقضاء والترافع. 

ترى الكوماني أن أكثر ما تحتاجه المرأة اليمنية للصمود هو وجود حضور نسائي ونماذج نسائية تساندها وتدعمها، في ظل القيود التي تفرضها العادات والتقاليد على كل ما له علاقة بالمرأة، ومهنة المحاماة ليست استثناء. 

ينظر إلى لجوء النساء للمحاكم والقضاء بأنه عيب وتمرد على الحلول القبلية والودية التي تركز عادة على ما يريده الرجال، ولا تتفهم احتياجات النساء واهتماماتهن، إضافة إلى تعرضها للكثير من التوبيخ لمجرد طلبها من القاضي لسماع أقوالها تحت مبرر أنها امرأة وصوتها عورة! 

مشاهدات يومية من وحي التجربة، لكنها لم تعد كذلك في ظل وجود محامية كابتهال الكوماني التي تحكي عن ذلك بالقول: "مجرد وجودي ورؤية النساء لي في أروقة المحكمة، إضافة لزميلتين أخريين، كفيل بأن يبعث الارتياح، وأن يخفف الكثير عن النساء القادمات إلى المحكمة". تلاحظ الكوماني أن المرأة تتكلم بحرية وثقة أكبر عند تواجدها في القاعة حتى وإن لم تكن محاميتها. 

ابتهال ذات حضور لافت على المستوى المدني، إذ عملت محامية لقضايا النازحين في المخيمات مدة عام، وأخصائية قانونية في مشروع توفير سبل العيش والتمكين الاقتصادي بمدينة ذمار التابع لصندوق الأمم المتحدة للسكان بإشراف اتحاد نساء اليمن لمدة عام ونصف، وفي مبادرة لدعم السجينات وتأهيلهن وتقديم الدعم النفسي والقانوني والمادي.

تعمل ابتهال حاليا مديرة لدائرة الشؤون القانونية لدى مكتب حقوق الإنسان وضابطا قانونيا لدى منظمة التنمية المستدامة بمحافظة ذمار. 

أفسحوا لنا المجال لحل النزاعات،
سنكون أكثر نجاحا؛ لأننا نؤمن
بأهمية العيش في سلام بعيدا
عن أي مآرب أخرى. 

وعند تتبع سيرتها الذاتية نتوصل إلى أنها ساهمت في حل العديد من الخلافات والمشاكل المدنية للنازحين في محافظة ذمار، وشاركت ضمن لجنة وساطة لحل النزاع شكلتها السلطة المحلية ومنظمات مجتمع مدني. 

تصف ابتهال ما تقوم به ضمن جهود الوساطة وحل النزاعات بأنه "يرتكز على لقاء أطراف الصراع، والاستماع لهم، وتسجيل النقاط الخلافية والمطالب، ثم الالتقاء وتقريب وجهات النظر في محاولة لخلق مساحة للحوار، للوصول إلى تفاهم مشترك يفضي في نهاية المطاف إلى الحل والبدء في تنفيذ المخرجات".

رغم الصعوبات التي تواجهها كامرأة في مجتمع قبلي لا يؤمن غالبيته بفاعلية المرأة كوسيطة، إلا أنها كانت حاضرة ومساهمة وسط إدراك البعض لقيمتها كونها لا هدف لها سوى إنهاء النزاعات. 

تعتقد الكوماني أن اليمن بحاجة إلى مشاركة النساء كوسيطات وصانعات سلام، وخاطبت الجميع قائلة: "أفسحوا لنا المجال لحل النزاعات، سنكون أكثر نجاحا؛ لأننا نؤمن بأهمية العيش في سلام بعيدا عن أي مآرب أخرى". 



كل الصور شخصية لابتهال الكوماني. 

شارك هذا البوست
الإنصاف والمساواة: ما هو الفرق؟
منصة أصوات نساء يمنيات