تزخر اليمن بموروث ثقافي متعدد الفنون والألوان، انتجته تجارب الإنسان اليمني المتراكمة عبر الأزمان، ولعل الأمثال الشعبية أبرز تلك الفنون الثقافية الأكثر تداولاً على ألسن اليمنيين، التي تشكل جزءًا من حياتهم اليومية، وتعبر عن طبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم، ومناسباتهم المتنوعة.
وتعد الأمثال الشعبية أحد أهم الأطر الثقافية والتاريخية والاجتماعية لأمة ما، وقد تصيب أحيانا، لكنها وثقت إرثًا كبيرًا من الأفكار الخاطئة، التي تدعو للعنصرية واضطهاد المرأة.
قولبة وتعنت
أفردت الأمثال اليمنية مساحة واسعة للمرأة، تناولتها في كل مناحي الحياة، لكنها عكست في معظمها صورة سلبية عن المرأة، التي ما إن تولد حتى تجلب معها الهم والشقاء للأسرة، على خلاف الرجل الذي يمثل مولده مصدر خير وسعادة الأسرة، فـيقال "ابن عاصي ولا عشر مطيعات"، و"الولد جنة والبنت ونة"، و"دلل ابنك يغنيك ودلل بنتك تخزيك"، و"هم البنات للمات"، و "أم البنات معذبة حتى الممات"، و"ذي يعول بنات كأن بيته على السائلة".
عند كبرها تصبح عورة، ومصدرًا يهدد شرف العائلة فيقال "صوت حية ولا صوت بنية"، و"وجه المرأة فتنة"، و"لا تأمن الأنثى ولو كانت كَسَبَة"، و"صدّق عيونك على أم جهالك"، و"لا تدي سرك لمره"، و"بخت الملاح بالضياع"، و"تختبئ من الجمل وتظهر للجمّال"، و"بنتي في صندوق وسمعتها بالسوق"، و"وكيل امرأة متحزم بشقري".
ولا سبيل لسترها إلا بالزواج، والزواج المبكر تحديدًا، فيقال: "تزوج بنت الثمان وعليا الضمان"، و"اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك"، و" إن جاء لبنتك حمّال زد وفي من المال"، و"ما للمرأة إلا زوجها".
صورة مهترئة
وتظل المرأة في المثل الشعبي ناقصة مهما حققت من إنجاز علمي أو مجتمعي، فيقال "المرة مرة ولو زمرت"، و"عنزة ولو طارت"، و"عقل المرأة في رجلها"، و"إذا غضب الله على النملة ريشت"، و"إذا غضب الله على قوم ولوا امرأة"، و"شور المرأة كذاب"، و" شور المرة الصائب يؤدي سبع مصائب".
ولا سبيل لها إلا بالعمل داخل المنزل، فيقال: "البيت المرة"، و"ما للمرأة إلا بيتها"، و"الحطب والماء عليا ما عليك إلا تلحي"، و"عصيدتك متنيها"، و"ما قطعوا سوقهن إلا من ويلهن".
ودائمًا ما تشيطن الأمثال صورة المرأة على أنها شخص شرير وانتهازي، فيقال: "البنت طبينه أمها"، و"العمة عمى"، و"لو الكنة تحب العمة أن الحمار يدخل الجنة"، و"الطبينة تحرق ولو كانت بالمشرق"، و"جنية من إب ولا زوجة الابن"، و"جني أفلخ ولا زوجة الأخ"، و"شارع قاضي ولا تشارع امرأة"، و"حط المرأة والحية في كيس تطلع الحية تستغيث"، و"من رقدت على ظهرها نست أهلها".
ولا تكتفي بذلك، بل تدعو المجتمع إلى التعامل مع النساء بقسوة وعنف، فيقال: "اكسر لها ضلع يطلع لها24"، و"يا ضارب البنت بالعصا راقب الله وجر الصميل"، و"لا تعتني بلحم المرأة ولا كسوة الجاهل"، و"لا صاحت المرة غرت على الرجال".
ثقافة ذكورية بامتياز
لا تتعلق النظرة السلبية للمرأة في الثقافة الشعبية بالأمثال فحسب، فالموروث الشعبي وفقًا للشاعر والأديب الراحل عبدالله البردوني في معظمه ثقافة تدين المرأة، وتحط من قيمتها، فقد صورتها على أنها غابة مكائد، وسراديب احتيال، ومجموعة شرور ونقائض، لا تلمح فيها إلا مزية الإنجاب، يوثق ذلك في كتابه الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنية.
كونها وحسب معتقدات المجتمع كائنًا أقل أهمية من الذكر، وكون المجتمع ذكوري بامتياز، فقد عمد قصدًا تقديم المرأة على أنها ناقصة وقاصرة، وغير مؤهلة لأي دور في المجتمع، وتعامل معها من منظور العيب والحرام والممنوع، فقط، تقول سالي مرشد، باحثة وناشطة نسوية يمنية.
وترى الكاتبة والروائية اليمنية سهير السمان أن التداول الزمني الممتد للأمثال الشعبية، أدى إلى اقتناع المرأة اليمنية بحقيقة تلك الأمثال، وأن تقولها على لسانها، لتصبح سوطًا تجلد به نفسها، من غير وعي منها أنها تسيئ لها، وتقلل من شأنها، وتحصرها في صور نمطية محددة، إضافة إلى تفشي الأمية في صفوف النساء، وتدني مكانة المرأة في المجتمع.
وتلعب الثقافة الشعبية دورًا حيويًا في استمرارية وإعادة إنتاج الممارسات الاجتماعية التميزية التي تحط من كرامة المرأة وقدرها، فعلى الرغم مما طرأ على اليمن من تغييرات، وتعلمت العديد من النساء، إلا أن الأمثال لا زالت تمارس تأثيرها الفعال في البلاد، على الرجال والنساء سويًا، من منطلق أنها تمثل حكمة الأجداد التي لا يمكن أن يكونوا قد أخطأوا فيها، تقول سالي مرشد.
تأثيرات اجتماعية واقتصادية
تعد الأمثال -من الناحية الاجتماعية- تعبيرًا غير مباشر عن الحقوق والواجبات، وانعدام المساواة بين أقطاب المجتمع، في اتفاق جماعي على تقنين صورة للمرأة، تتبلور عبر المثل الشعبي الذي يصوغ الخلاصة العامة لنظرة المجتمع؛ فهي تحدد دور المرأة في العمل المنزلي، وتستثنيها من المشاركة في الأعمال العامة، لتظل تلك الصورة السلبية تكبل المرأة طوال حياتها.
ووفقًا للدكتور خالد قاسم، الباحث في التنمية المجتمعية، فإن تحديد دور المرأة وتقييدها بأعمال المنزل وترك الأعمال العامة للرجل، يؤدي إلى تعزيز هيمنة الرجال، وتعزيز ثقافة التمييز الجنسي في المجتمع، وهذا ينعكس سلبًا على مستوى التعليم لدى النساء، وحرية رأيهن في الأسرة، ومشاركتهن في الحياة الاجتماعية والسياسية.
ويرى قاسم أن من الضروري تحدي تلك الصورة الضيقة لدور المرأة، والسعي إلى تعزيز المساواة بين الجنسين، وتوسيع دور المرأة ليشمل المشاركة في العمل، وتحمل المسؤولية المشتركة في الحياة العائلية، فنحن بحاجة إلى تغيير النظرة النمطية، وتكريس مجتمع يكافئ ويحترم المرأة، ويمنحها الفرصة الكاملة للمشاركة والتقدم.
تصحيح الصورة النمطية
يعد المورث الشعبي ذو قوة تأثيرية قوية في ترسيخ العادات والتقاليد، وليس بالسهل تغييره إلا على المدى الطويل والمراحل المتعددة، وترى سهير السمان بأنه لابد أن يكون للدولة دور بارز وفاعل في وضع خطة شاملة تهدف إلى تصحيح النظرة النمطية تجاه المرأة، من خلال مراجعة شاملة للقوانين والأنظمة، وإزالة كافة مظاهر التمييز ضد المرأة، وإخضاع الموروث الشعبي للنقد والتصحيح، من قبل النقاد والمثقفين، وتوعية المرأة بخطورة إسهامها في تشويه صورتها، من خلال استخدامها المتكرر للأمثال التي تقلل منها.
ويرى الباحث في الموروث الشعبي محمد سبأ أنه من المهم التركيز على تعليم المرأة، وتضمين المناهج الدراسية صورًا إيجابية للمرأة، من خلال استعراض الأدوار المختلفة التي تقوم بها نماذج كثيرة من النساء اليمنيات، ودعم مشاركة المرأة وتمكينها في كل مناحي الحياة العامة.