لم أكن أتخيل أن إنجابي للبنات سيحوّل حياتي الزوجية إلى جحيم، ويهجرني زوجي، ويتزوج بأخرى، كي تنجب له ولدًا، يحمل اسمه ويرفع رأسه بين الناس، رغم أن ذلك الأمر بيد الله وحده، ولا حول لي فيه ولا قوة، تقول ياسمين.
رغم أن الإسلام حرم وأد المرأة وكرمها وأعلى شأنها، إلا أن عملية التمييز والتعصب لصالح الذكور لازالت قائمة في كثير من تعاملات مجتمعنا، ابتداءً بتفضيل إنجاب الأبناء على البنات، ومرورًا بتمييز الأولاد الذكور على الإناث في الرعاية والاهتمام والتعليم والصحة وغيرها من الفرص، وانتهاءً بحرمان البنات من الإرث والتحايل عليهن لصالح الأبناء الذكور.
واحتلت اليمن المرتبة 155 للعام 2021، في تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي، حيث تعاني النساء من عدم المساواة في مجتمع يتصف بالنزعة الذكورية، ويحدد أداورًا صارمة بين الجنسين.
عقوبة من دون ذنب
ياسمين، 30 عامًا، اسم مستعار لامرأة من محافظة ريمة، شمالي اليمن، تحكي قصتها قائلة: "تزوجت أحد أقربائي، وكانت علاقتنا جيدة، وخاصة بعد حملي، كان يعتني بي طوال فترة الحمل، لكن سرعان ما تدهورت علاقتنا، وتحول ذلك التدليل إلى كره، عندما أنجبت بنتنا الأولى؛ لأنه كان يرغب بأن أنجب ولد، كي يحمل اسمه ويرفع رأسه بين القبيلة".
ساءت علاقة ياسمين وزوجها مع كل بنت تنجبها: "ظل يحمّلني مسؤولية إنجاب البنات، ويعنفّني بعد كل ولادة".
استمرت ياسمين على تلك الحال الى أن أنجبت البنت الرابعة، حيث قرر الزوج أن يتزوج بامرأة أخرى؛ من أجل أن تنجب له ولدًا، تحملت ياسمين الأمر، ولم تعارض زوجها، مقابل أن يبقيها مع بناتها، وألا يطلقها.
لكن ما إن أنجبت زوجته الثانية ولدًا، حتى هجرها تمامًا، ولم يعد يهتم بأمرها وأمر بناتها، ووجه كل اهتمامه بولده وزوجته الثانية.
تنهي ياسمين حديثها بصوت شاحب يخفي وراءه الكثير من الأوجاع والآلام، تقول: "رماني ولم يعد يسأل عني ولا عن بناته، التي تبلغ أكبرهن 10 أعوام وأصغرهن 4 سنوات، اضطررت للعمل في الزراعة وتربية المواشي، لأتدبر مصاريف معيشتي أنا وبناتي الأربع".
إهمال حرم ابنته الأولى من التعليم، حيث كانت تساعد أمها في تدبير شؤون المنزل ورعي الأغنام، وهو ما يؤلم ياسمين التي دائما ما تتحسر وتلوم نفسها على ذلك، كما تقول.
ويؤكد تقرير لمنظمة إوكسفام "أن 56% من الزوجات في اليمن يتعرضن للعنف الجسدي من قبل أزواجهن، ناهيك عن العنف النفسي واللفظي، والعنف الجنسي الممارس، الذي يعتبر نوعًا آخر من أنواع العنف النفسي".
هيمنة ذكورية
تهيمن الثقافة الذكورية على عقلية كثير من اليمنيين؛ فكثير من الأسر تفضل إنجاب الذكور، ونتيجة لذلك تمارس التمييز بين أبنائها، إذ تمنح الأولوية للذكور على حساب الإناث على مستوى التعامل وحتى الوراثة.
فالأب يرى في الولد على أنه الاستثمار الحقيقي للمستقبل، والوصي الأول على أعماله وإنجازاته، في حين ترى فيه الأم السند والمعيل للأسرة في حال غياب الأب أو فقدانه، على أن البنت مصيرها الزواج، والالتحاق بأسرة زوجها.
وترى الباحثة والناشطة في مجال المرأة سالي مرشد أن المرأة اليمنية أسهمت وبشكل كبير في رسم تلك الأدوار بين الجنسين، وترسيخ ثقافة الأفضلية الذكورية في المجتمع، من خلال تربية الأبناء وتنشئتهم على تلك الثقافة والممارسات، لتنشأ الفتاة ضعيفة، ومستسلمة لها، ومؤمنة بها.
وتتهم مرشد بعض من يتبنون الخطاب الديني بمهاجمة المرأة ووصفها بالنقص وفقدان الأهلية، وهو ما ساعد في تعزيز تسلط الرجل في المجتمع على حساب المرأة، وحرمانها من أبسط حقوقها، إضافة إلى ضعف القوانين والتشريعات الخاصة بحقوق المرأة في اليمن.
فالقوانين اليمنية بما فيها قانون الأحوال الشخصية وقانون الجرائم والعقوبات رسخت ممارسات تمييزية ضد المرأة، إذ تتضمن أحكامًا تسهل العنف الأسري والاعتداء وتكرس ولاية الرجل على المرأة. حالة دفعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى التحذير من استمرار اليمن في تعريض النساء لتمييز شديد في القانون والممارسة.
آثار اقتصادية واجتماعية
يذكر تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2020 "أن تفضيل الأبناء على البنات يتسبب بأضرار كبيرة للإناث منها سوء التغذية، وإقصاء أو هجر المرأة التي تلد بنات، إضافة إلى التعليم غير الكافي، والإجهاض القسري أو الإجباري للنساء الحوامل، وفترات أقصر في الرضاعة الطبيعية، وعدد أقل من التطعيمات، وسوء معاملة أو إساءة معاملة الحامل بأجنة إناث".
وتوصل تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي 2021 إلى أن "نسبة القراءة والكتابة في اليمن بين أوساط النساء اليمنيات وصلت%35) ) مقابل (%73.2) بين الرجال، وبلغت نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي للإناث (%78.7)، مقابل (%89.4) للذكور، في حين وصلت نسبة التحاق الإناث بالتعليم الثانوي (%40.2) مقابل (%54.7) للذكور، فيما بلغت نسبة الإناث الملتحقات بالتعليم العالي (%6.2) مقابل (%14.0) للذكور". وتكشف هذه الأرقام تمييزًا على أساس الجنس في التعليم.
ووفقًا للتقرير فإن "نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة لعام 2021 بلغت 6.3% مقابل 72.2% للرجال، وأن نسبة مشاركة المرأة في المناصب القيادية، بلغت %4.1 مقابل %95.9 للرجال.
ويحذر الأخصائي الاجتماعي أحمد الصوفي من تفضيل الأبناء على البنات في المعاملة، وتداعياتها السلبية على الفتيات مستقبلاً، وتأثيراتها على مساهمتهن في التنمية، مؤكدًا أن تلك التداعيات لا ترتبط بحدود الأسرة، بل تمتد إلى أمور أخرى أبرزها سوق العمل، وبعض المسؤوليات والأدوار القيادية.
ويضيف الصوفي: يحظى الابن بتعامل وتربية أكثر تمييزًا في مجتمعنا، وهو ما يخلق ويشكل تنافسًا وكرهًا؛ بسبب شعور الإناث بالضعف والظلم مما يؤثر على تصرفاتهن، إما أن تكون مستسلمة وملتزمة الصمت لإحساسها بالظلم والتفرقة فتصاب بالاكتئاب أو عدم الثقة بالنفس، وإما أن تأخذ موقفًا عدائيًا على المحيط الذي تعيش فيه فتظهر العداء والمقاومة لكل طلبات الأهل.
معالجات مقترحة
حالة عرفية تسود مجتمعات يمنية عدة، لكنها تبقى بحاجة إلى فاعلية الدولة للقيام بمهمتها من أجل المساهمة في تحسين وضع المرأة اليمنية، وهو ما تؤكده سالي مرشد التي ترى بأن المعالجة تبدأ من الدولة، بتشريع قوانين عادلة في حق المرأة ومراقبة تنفيذها، ووضع خطة وطنية لدعم المرأة ومساندتها، وحل مشكلاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وتجريم كل أنواع العنف بحقها، ونبذ الخطاب الديني الذي يحرض ضدها، وتحقيق المواءمة بين المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية لتأمين حقوق المرأة وضمان إشراكها في جميع مناحي الحياة.
ويدعو صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى تجديد الاهتمام بمسألة التمييز على المستوى العالمي، والتسريع من الجهود المبذولة لتطوير البرامج والسياسات التي تنهي جميع أشكال التمييز، بما في ذلك تفضيل الأبناء.
في المشاركة