تشهد العديد من القطاعات العامة والخاصة حول العالم تحولًا هامًا في طريقة تفكيرها وتعاملها مع قضايا المساواة بين الجنسين. ومن بين هذه القطاعات، يلتفت العالم بشكل متزايد إلى دور المرأة في مجالات الأمن والدفاع؛ فالنساء لم يعدن مجرد شريكات محتملات في حفظ الأمن العام، بل أصبحن شريكات يسهمن بشكل فاعل في تحقيق التوازن في المجالات الأمنية.
منى سعد غرامة، مديرة الشرطة النسائية بساحل حضرموت، امرأة استثنائية، قائدة ملهمة، حيث قبلت التحديات والمخاطر المترتبة على مجال الأمن، وحصلت على لقب أفضل رامية في مسابقة كانت فيها المرأة الوحيدة ضمن أربعين ضابطًا.
تتمتع غرامة بسمعة طيبة، نتيجة انضباطها الذي كان له تأثير إيجابي على زميلاتها بما يسهم في تحقيق الأهداف المشتركة في عملهن.
تحسن ملحوظ
في عام 2001، خاضت "منى" أولى تجاربها في عالم الشرطة، حيث تقدمت بعد انتهائها من الثانوية إلى دورة تدريبية لمدة ستة أشهر في صنعاء، وتخرجت ضمن الدفعة الأولى للشرطة النسائية على مستوى الجمهورية، فوجود العنصر النسائي في الكثير من مرافق العمل مثل: مصلحة الجوازات، والمطارات، والموانئ، والأحوال المدنية، ودور الإصلاح أصبح ضرورة، في ذلك الوقت تخرجت 14 امرأة من حضرموت منهن "منى"، وتم توزيعهن على المرافق الأمنية المختلفة.
"هناك تزايد في التحاق النساء وخصوصًا من خريجات الجامعة بالسلك الأمني، فمقارنة بـ14 امرأة في الماضي، أصبح لدينا 282 امرأة عسكرية في ساحل حضرموت تحت نطاق عمل الشرطة النسائية"، تقول المساعد غرامة.
تزايد يعكس تغييرات اجتماعية وثقافية عدة، حيث يتزايد الاعتراف بحقوق المرأة وتمكينها، وأصبح القبول بفكرة مشاركة المرأة في المجالات التي كانت محصورة بشكل تقليدي على الرجال فقط أمرًا "لابد منه" حيث يدرك القادة الأمنيون أهمية التنوع في صفوف القوى الأمنية والذي يضيف قدرات ومهارات جديدة إلى العمل الأمني، فالمرأة تتمتع بقدرات خاصة في التعامل مع القضايا النسائية وتوفير الحماية والأمان للنساء والأطفال في المجتمع.
"فاطمة باسنقاب" خريجة قانون التحقت قبل ثلاث سنوات بالسلك العسكري كإدارية بالتحريات والتحقيقات في البحث الجنائي، تم تأهيلها قبل الالتحاق بالعمل بعدة دورات تدريبية في التحقيق وأساليبه وقوانينه، وقد كانت خلفيتها القانونية مفيدة لها في العمل واستطاعت أن تستوعبه بسرعة.
عن نظرة المجتمع لعملها تقول "باسنقاب": "الناس إلى الآن غير مرتاحين للأمن؛ لذلك أخفيت عملي عن الجيران والمقربين، ولم يكن أحد يعلم بعملي سوى والدتي التي شجعتني وأخي، حتى والدي حينما قررت أن أقدم على هذا العمل كنت خائفة من فكرة الرفض، لكنه في النهاية تقبل الأمر وكان داعماً لي".
عملت فاطمة في الميدان في مداهمات، وكان مجالها هو التعامل مع النساء والأطفال وجمع محاضر الاستدلال وفقًا لقواعد التحقيق التي دُرّبت عليها في الجامعة والبحث الجنائي.
بلا ترقية
على الرغم من التحسن الملحوظ، لاتزال هناك تحديات تواجه التحاق المرأة بالسلك الأمني في مجتمعات محافظة مثل اليمن، بما في ذلك القيود الثقافية والتقاليد الاجتماعية، إذ تعاني المرأة العسكرية من التهميش وعدم المساواة لها بسبب هذه القيود.
بعض العسكريين ينظرون لمرؤوستهم بأنها غير قادرة على تولي زمام الأمور الأمنية بطريقة صحيحة فيفضل أن يقدم الرجال في أي عملية أمنية، حتى لو كان المطلوب أمنيًا في هذه العملية من النساء.
كما أن المرأة العسكرية لازالت تعاني من عدم ترقيها في الرتب العسكرية، فلا سلاسة في الترقي بطريقة فنية وفقًا للسلم الوظيفي، وإنما عليها أن تتابع ترقيتها وتتعب لأجل الحصول عليها.
وضع دفع "غرامة" للقول بأسف أن "بعض القادة لا يروق لهم سوى أن تؤدي المرأة العسكرية وظائف هامشية كأن تكون طباخة في معسكر، أو مراسلة، أو عاملة نظافة، أما أن تلبس الزي العسكري، وتتدرب، وتتأهل، وتؤدي واجباتها العسكرية فهذا من المستحيل". تعرضت منى أثناء سنوات عملها الـ23 للتنمر، وإقصائها من التأهيل والتدريب الخارجي أسوة بزملائها من الرجال، لكن ذلك لم يثنها عن الاستمرار بالتقدم، والتحقت بالجامعة عن بعد لتحصل على درجة البكالوريوس في القانون، واستطاعت بكفاءتها أن تصل لمديرة الشرطة النسائية، لكنها لم تنل الترقية التي تستحقها.
وتؤيدها في ذلك "تفيدة السكوتي" مساعد أول، التي لم تترق منذ عام 2009، وتؤكد أن المرأة العسكرية تظلم في المساواة والترقيات والواجبات، وحتى الصلاحيات للمرأة العسكرية صلاحيات غير ملموسة.
وخلت دفعتين من كلية الشرطة في ساحل حضرموت من أي وجود للمرأة منذ افتتاحها في المكلا عام 2015.
وحول أسباب ذلك مع الحاجة المستمرة للنساء العسكريات حاولنا التواصل مع عميد كلية الشرطة العميد سالم الخنبشي للاستفسار حول الموضوع لكننا لم نتمكن من الوصول إليه.
نظرة قاصرة
إلى جانب اضطرار بعضهن لإخفاء عملهن العسكري، تنتظر أخريات الفرصة للتوقف والبحث عن عمل يخرجهن من دائرة النظرة المجتمعية القاصرة، تمامًا كالملازم "أروى العكبري" التي تعمل كإعلامية في التوجيه المعنوي بساحل حضرموت.
تتحدث العكبري عن تفكير يلازمها قائلة: "إن وجدت فرصة أخرى في مجال مدني سأترك العمل العسكري حالاً؛ فنظرة المجتمع لاتزال قاصرة تجاه المرأة العسكرية، حيث تكال التهم اللاأخلاقية للشرطية أو تلك التي تعمل في الجيش، وذلك بسبب قلة وعيهم بأهمية تواجدها في هذا المكان".
يبقى تعزيز التوازن بين الجنسين في المجال العسكري والأمني ليس فقط مسؤولية الحكومات والمؤسسات، بل يتطلب المشاركة الفعّالة والدعم من المجتمع بأكمله.
ويعد الاستثمار في تمكين المرأة وتشجيعها على الانخراط في الأمن العام استثمارًا في مستقبل أكثر استدامة للجميع، ولن يكون ذلك إلا بتفهم المجتمع لضرورة عمل المرأة في المجال الأمني، وبوجود أكاديمية عسكرية للنساء على أساس منهجي مكتمل.
ونقل موقع وزارة الداخلية تصريحًا للعميد علياء صالح مدير عام حماية الأسرة والشرطة النسائية أكدت فيه أن: "تأسيس مدرسة الشرطة النسائية في اليمن يعد النواة الأولى لتدريب منتسبات الأمن، مشيرة إلى أن المدرسة تعمل على تخرج دورات صف ضباط وأفراد "نساء"، يتمّ توزيعهن على مختلف إدارات الشرطة في المحافظات، مؤكدةً عدم وجود اختلاف بين دور العناصر والأفراد، سواء أكانوا ذكورًا أو إناثًا، وفي كل القطاعات سواء الإدارات أو الشّرطة وفروع الهجرة والجوازات".
وتتمنى مديرة الشرطة النسائية بساحل حضرموت المساعد أول "منى سعد غرامة" أن يتم تخصيص معسكر للنساء تشرف عليه، وتدرب الملتحقات به، وتأهلهن؛ ليتمكن من أداء مهامهن في ضبط الأمن، وإحلال السلم المجتمعي على أكمل وجه.