تعيش المرأة اليمنية مآس مريرة، نتيجة للعادات والتقاليد والجهل المتفشي في كثير من مناطق الريف، لكن أحد أبرز المشكلات التي تواجهها المرأة الريفية هي ثقافة العيب الاجتماعية التي ما زال يتمسك بها البعض، والتي تخطت القيم الحميدة والثقافات الإيجابية للعادات والتقاليد إلى أن تكون سوطًا يسلط على الإناث لممارسة كثير من الانتهاكات والتي قد تصل أحيانًا إلى القتل، ومن ضمن هذه الممارسات الخاطئة هو رفض معالجة النساء لدى الأطباء الذكور أو عرض حتى الحالات الحرجة على الأطباء رغم فتاوى الشرع بجواز ذلك والقسم الطبي والأخلاقي الذي ينتهجه الأطباء والممرضون أثناء ممارستهم المهنة ، وعدم توفر كادر طبي نسائي في الأرياف، وهو ما يودي بحياة كثير من النساء اللواتي لا يعلمن بأي ذنب قتلن، أو تجرعن مرارة الألم والمرض.
أفكار تقليدية
يسود في بعض القرى اليمنية عدد من الأفكار التقليدية والمفاهيم المسبقة التي تمنع الفتيات من متابعة التعليم، لذلك، من الصعب العثور على نساء من المجتمع المحلي حاصلات على مؤهلات علمية. تؤكد ذلك أماني، التي صادفتها في إحدى غرف مستشفى النقيب الواقع في مديرية المنصورة بمحافظة عدن، جنوبي اليمن، قادمة من قرية جبلية في منطقة القبيطة، برفقة شقيقتها التي تحملت وعورة الطريق ومشقته باحثة عن طبيبة متخصصة في العظام.
تقول أماني: "لم أكمل تعليمي الثانوي ولا أختاي، لهذا معيب بحق بنات القرية حسب تفكير أهلها، كيف يريدون طبيبات لنسائهم وهم يرفضون إكمال تعليمها والعمل كطبيبة".
وبحسب الفتوى المنشورة في "بوابة الإفتاء اليمنية"، أجاب القاضي محمد بن إسماعيل العمراني، على سؤال: هل يجوز للمرأة إذا أصابها مرض أن تتعالج لدى الدكتور وقد يصل به الأمر إلى كشف جسدها؟ بالقول: أن "الفقهاء أجازوا للطبيب النظر إلى المرأة الأجنبية عند الضرورة وبناء على ذلك فعلى المرأة التي تريد العلاج أن تتعالج عند امرأة مسلمة فإن لم توجد فعند امرأة كافرة فإن لم توجد فعند طبيب مسلم فإن لم يوجد فعند طبيب كافر للضرورة بشرط عدم وجود دكتورة عارفة بالمرض وبعلاجه المناسب وبشرط وجود المحرم عند المعاينة والكشف عن المرض".
رفض مجتمعي مستمر
وتعاني المناطق الريفية بشكل عام من نقص في الطبيبات، ومع وجود بيئات متشددة في هذه المناطق، وسيطرة عقلية تقليدية ترى أن فحص الطبيب لمريضة أنثى أمر مرفوض، فإن الكثير من النساء والفتيات، لا يحصلن على الرعاية الطبية التي يحتجنها.
وتعتبر الدكتورة ليانا نصر بدر، وهي إحدى الطبيبات اللواتي تم استدعائهن للعمل في إحدى قرى منطقة يافع التابعة لمحافظة لحج، أن ذهاب المرأة إلى الطبيب لا عيب فيه، ولكن ذلك يعتمد بالدرجة الأولى على الدين والعادات والتقاليد، تقول بدر: "الناس هنا لا يقبلون بأن يقوم أطباء رجال بمعالجة النساء. وهذه الطريقة الخاطئة بالتفكير تؤدي إلى تعريض النساء والفتيات إلى قدر أكبر بكثير من المعاناة".
وتروي لنا دكتورة النساء، عن حالة مرضية وصلتها كانت حاملا في الأسبوع الثامن عشر، وكان طفلها لا يزال على قيد الحياة أما هي فكانت في غيبوبة. أدركت الدكتورة أن الشابة بحاجة إلى تدخل طبي خاص، فأحالتها إلى طبيب متخصص، إلا أن قرارها قوبل بالرفض وتم إخراجها على الفور من الوحدة الصحية، ولا تدري ماذا كان مصير الفتاة الشابة، تقول: "لا أعرف ما إذا تمكنت من النجاة".
غياب القانون
وفي تساؤلنا حول إذا كانت حالة المريضة تتطلب تدخل طبيب جراحي فوري لإنقاذ حياتها، ورفض ولي المرأة ذلك، هل يحق للمستشفى أو القانون إلزامه بذلك؟ تقول القانونية هدى الصراري: "للأسف لا يُفعل أي إجراء إلا بموافقة وتوقيع ولي أمر المرأة بما فيها الولادات القيصرية الحرجة والتي تتطلب سرعة وتدخلًا آنيًا، لا يوجد نص ملزم لولي الأمر".
وبخصوص ذلك، يؤكد الدكتور وهيب الحربي، طبيب عام، أن مهنة الطب لها ضوابط وميثاق شرف يلتزم به كافة منتسبيها، وهم يؤدون عملهم كملائكة رحمة لإنقاذ الأرواح، وهو ما يجب على المجتمع استيعابه.
ويشير إلى أن الطبيب خلال معاينته أو علاجه للمرأة، دائمًا ما تكون معه ممرضة أو أحد أقارب المريضة، كما أن كثير من الأجهزة الطبية الحديثة والأشعة لا تحتاج إلى كشف المرأة جسدها بالكامل.
بدوره، أكد الدكتور مختار محمد علي، طبيب مختبرات، أن المرأة في المناطق الريفية باليمن، تعاني من نقص الكادر الطبي النسائي، ومع سيطرة المجتمع المحافظ في المناطق الريفية والفكر التقليدي المتشدد ترى معظم الأسر أن مقابلة النساء لأطباء ذكور من أجل الكشف والفحص أمر غير مقبول ومرفوض تمامًا، مما ينعكس سلبًا على صحة الكثير من الإناث بسبب عدم تلقي الرعاية الصحية الأولية في مناطقهن بشكل عاجل، مما يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية للمريضة ووصولها إلى مراحل متقدمة في المرض، وربما إلى حالة سيئة ويصبح علاجها أمرًا صعبًا أو يحتاج فترة أطول في حال تم نقل هذه الحالات إلى المدن، حيث يتوفر الكادر النسائي الطبي.
من جانبه، يرى الناشط الصحفي وائل القباطي، أن هذه الظاهرة نتجت عن الأمية المتفشية والعادات والتقاليد القبلية التي ما زال البعض يتمسك بها خصوصًا في المناطق الريفية.
يضيف: "يمتنع البعض عن عرض النساء على الأطباء ويشترط أن يكون عرضهن على طبيبات نساء، وكثير من المناطق اليمنية والريفية تحديدًا، لا تتوفر فيها نساء طبيبات باستثناء المدن، وهناك حالات يصعب نقلهن للعلاج وتقع المرأة ضحية".
ودعا القباطي، إلى تزويد الوحدات الصحية في المناطق الريفية بطبيبات نساء، ونشر الوحدات الصحية إلى أكثر المناطق، وعلى المنظمات وأجهزة الإعلام أن تقوم بدورها في توعية المواطنين بهذه المناطق.
ختاما.. تجمع التشريعات الفقهية العربية والإسلامية على حرمة النفس البشرية وجواز معالجة الطبيب للمرأة عند الضرورة، لكن تبقى التوعية عاملًا مهمًا في الريف اليمني، وهي تحتاج إلى تكاتف الجهات المعنية والمنظمات وأئمة المساجد لما لهم من تأثير كبير في توعية المواطنين.