استهداف و تكميم
لم تكن المرأة العاملة في مجال الصحافة مستثناة من الانتهاكات التي طالت المجال، ففي نوفمبر 2021 اغتيلت الصحفية والإعلامية رشا الحرازي بتفجير عبوة ناسفة في سيارتها وهي في طريقها إلى المستشفى من أجل إجراء فحوصات روتينية قبل موعد الولادة، ونجى زوجها من الحادثة بأعجوبة، بينما ظلت هالة باضاوي في السجن عدة أشهر تحت طائلة تهم عدة وصلت حد النيل من شخصيتها وكرامتها بسبب تناولها مواضيع لم ترق للسلطات المحلية ، وفي محافظات أخرى تعرضت صحفيات إلى مضايقات أثناء ممارسة عملهن الميداني كالمنع، والتحرش، والمطالبة بوجود محرم، بل وحتى التهديد بالضرب في حال عدم الاستجابة لما يراه المعتدون بالامتناع عن الاستمرار والعودة من حيث أتوا.
ممارسات أدت إلى تحجيم دور الصحفيات اليمنيات، وصنعت عددًا من المخاوف، ولم يتوقف الوضع عند هذا الحد، فهن أيضًا عرضة لتدابير عامة قامت بها بعض الأطراف كالمنع من السفر إلا بمحرم، وتقييد حرية التنقل، وضرورة الحصول على إذن مكتوب أو موقّع عليه من قبل ولي أمرها، ومضايقات أخرى على مستوى اللبس، وحتى بسبب امتهانها للمهنة التي يراها البعض بأنها حصرًا على الذكور، ويأتي هذا كمنطلق اجتماعي قائم على العادات والتقاليد بدرجة أساسية، وهو ما يحاول كثيرون استنساخه وتعميمه على حياة النساء برمتها تحت مبررات واهية.
هذا ما يؤكده خليل كامل مدير تحرير مرصد الحريات الإعلامية، ويضيف: "الصحفيات اليمنيات يعملن في بيئة صعبة للغاية، فمن خلال متابعتنا بمرصد الحريات الإعلامية ومراقبتنا لواقع حريات الصحافة يتضح أن الصحفيات يواجهن استهدافًا ممنهجًا بمختلف الأساليب والطرق، من قبل جميع أطراف الصراع وبدرجات متفاوتة من طرف لآخر رغم محدودية عددهن مقارنه بعدد الصحفيين".
وبحسب كامل فإنه منذ العام 2015 سجل المرصد 43 انتهاكًا ضد الصحفيات، لكن الواقع أكثر بكثير من هذه الأرقام، فالكثير من الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيات لا يتم الإعلان عنها أو نشرها من قبل الصحفيات خوفًا على حياتهن وسمعتهن، مما يصعب علينا رصدها وتوثيقها، والكلام هنا لكامل.
ومن الانتهاكات التي رصدها مرصد الحريات الإعلامية الاعتقال، والاعتداء اللفظي والجسدي، إلى جانب الابتزاز، والتنمر، والخوض في أعراضهن، وتشويه سمعتهن عبر المنصات الإلكترونية والإعلامية المتنوعة إلى جانب الإجراءات المعقدة التي تواجههن في بعض المناطق عند إجراء المقابلات أو أخذ تصاريح حتى وإن كانت المادة اجتماعية لا علاقة لها بالسياسة مطلقا.
تقييد مستمر
أدى الوضع الحالي، وما ترتب عليه أمنيًا وثقافيًا إلى تقييد حرية الصحافة في البلاد، وبات اليمن في مرتبة متأخرة على مستوى حرية الصحافة، إذ تحتل المرتبة 168 من بين 180 دولة وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود، وتصنيف الاتحاد الدولي للصحافة ، وهو ما جعل عددًا من الصحفيات يمتنعن عن الاستمرار في عملهن، أو التقيد بمهام وأعمال مكتبية على حساب النزول الميداني، والبحث عن قصص ذات وقع إنساني واجتماعي هام، ولا يمكن أن تنقله سوى صحفية بسبب الخصوصية الاجتماعية وإمكانية الوصول إلى معلومات أكثر.
حالة متردية، صنعت مخاوف كثيرة؛ فعلى المستوى النفسي لم يعد بمقدور صحفيات الاستمرار في مهنة الصحافة، حيث جمدن نشاطهن وامتهن مهنًا أخرى بعيدًا عن المساءلة والملاحقة والتنكيل، بينما آثرت بعضهن التوقف نهائيًا والبقاء في المنزل كربة بيت من منطلق الحذر.
ويرى خليل كامل أن هذه الأساليب خصوصًا في اليمن تجعل الصحفية وأسرتها في وضع نفسي وإنساني صعب، فـ"النظرة القاصرة من قبل المجتمع للمرأة، أو ما يسمى بالعادات والتقاليد المجتمعية يمثل عائقًا كبيرًا أمام الصحفيات لممارسة عملهن الصحفي بكل حرية مما جعل الكثير من الصحفيات يتوقفن عن عملهن أو يلتزمن الصمت، وهذا جعل الأطراف تتمادى في التجاوزات والإساءات بحق الصحفيات دون الخوف من العواقب".
بالنسبة للصحفية سماح عملاق فالصحافة مهنة منهكة وذات طابع يختلف عن بقية المهن، وهو ما استوعبته أثناء عملها الميداني، حتى أنها تعرضت لمضايقات وتهديدات تجاوزتها إلى أسرتها، واتصالات على نطاق واسع بسبب نشرها مادة تتحدث عن قتل النساء على ذمة قضايا الشرف.
تقول سماح لمنصة أصوات نساء يمنيات: "مررت بأوقات أمنية صعبة، كنت أشعر دائمًا بأنني مراقبة ومطاردة، تعرضت حتى للملاحقة عبر صفحتي من بعض الأجهزة الأمنية، ومحاولة تهكيرها، حتى أنهم تمكنوا من اختراق حساباتي مرتين، وحاولوا الإساءة لي، والتنمر بي، وهو ما دفعني لأكون أقوى على مستوى السلامة الرقمية من خلال عدة جلسات تدريبية، وكذلك بواسطة الدعم النفسي الذي تلقيته، لأصبح قادرة على التقبل والمواجهة وفهم طبيعة ما يدور حولي، ومحاولة عدم الصدام".
لكنها إلى اليوم مازالت تعاني من بعض التبعات، فهي تتوقف كثيرًا قبل العمل على أي فكرة قد تؤدي إلى صدام مع المجتمع أو إثارة الجدل بسبب ما تتضمنه، وهو ما يتسبب لها بنتوءات نفسية لعدم تمكنها من العمل على بعض الأفكار، إذ تشعر بأنها مقيدة، والكلام هنا لعملاق.
يوم للحرية
يحيي العالم في الثالث من مايو من كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، لإحياء ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحافيين الأفارقة في 3 مايو 1991.
ويشكل اليوم العالمي لحرية الصحافة فرصة لإلقاء الضوء على حقوق الصحفيين والصحفيات، وأهمية العمل على مواجهة التحديات التي تعيق عملهم، ووصولهم إلى المعلومات بسلاسة وأمان.
وتعيش اليمن حالة حرب كان الصحفيون والصحفيات من بين الذين اكتووا بنارها قتلًا، واختطافًا، وقتلًا، وإخفاءًا قسريًا، إضافة إلى توقف عدد من المؤسسات الإعلامية ما أدى إلى فقدان كثير منهم لوظائفهم ومصدر دخلهم الذي كانوا يعتمدون عليه، واضطر بعضهم إلى ممارسة مهن وأعمال مؤقتة لتوفير احتياجاتهم الأساسية التي تعينهم على الاستمرار في الحياة.
الصورة لـ: نشوان صادق