العنف ضد النساء: بين مطرقة الممارسات وسندان التشريعات القانونية
د. أنجيلا المعمري

مازالت النساء يعانين مرارة النزاع المسلح وقساوة العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية والدينية السائدة المتنوعة بحسب المناطق الجغرافية والتي تتحكم في شكل العلاقات بين الجنسين " فالنساء في بعض المناطق وخاصة الريفية تقوم بالعديد من المهام في غياب الرجل كاستقبال الضيف وحل المشاكل"، كما نجد النساء في مناطق أخرى  يقمن بالعديد من الاعمال والمهام التي لايقوم بها عدد من الرجال  كتسلق النخيل وجلب المياه والحطب ولكن بالمقابل لايسمح للمرأة بالمشاركة على نطاق أوسع مع الرجال، ولا يسمح للبعض منهن اتخاذ قراراتهن المصيرية على المستوى الشخصي في الزواج والعمل والتعليم ، وليس لديهم حقوق متساوية في قضايا الطلاق أو الميراث أو حضانة الأطفال.

وبعد ست سنوات من النزاع المسلح في اليمن وتدهور الوضع الإنساني العام تفاقم الوضع وزادت مخاطر العنف والاستغلال، وارتفعت نسبة حالات العنف والانتهاكات والتمييز الممنهج والتهميش في عملية المشاركة بالعملية السياسية  وصناعة القرار. وضعفت إلى حد الهشاشة العديد من القيم والتقاليد الاجتماعية التي كانت تمثل جسر حماية للنساء من العنف الجسدي والمعنوي المبني على النوع الاجتماعي مثل" اعتقالات الناشطات والحقوقيات  - منع السفر الا بمحرم او مرافق – حملات التشوية للسمعه والشرف – حالات الاغتصابات- التكفير والالحاد "، كما يمثل الوصول المحدود للنساء للمعلومات والتعليم والقيود الثقافية والاجتماعية على حركة النساء، واعتمادهن المالي على الأقارب من الذكور، وافتقارهن للحماية القانونية، يجعلهن أكثر عرضة للعنف.

 كما يؤثر تدني مستوى التعليم عند النساء والقيود الاجتماعية المفروضة على حركتهن وفرض هيمنتهن، بالإضافة إلى اعتماد البعض منهن على التمويل الاقتصادي من الاقارب الذكور مما يجعلهن اقل حيلة واكثر خضوعاً واستسلاماً وعرضة للعنف، خاصة في ظل افتقارهن للحماية القانونية. نستطيع القول بناء على ماسبق بأن العنف ضد النساء "هو مجموعة انتهاك صارخ لحقوق النساء بسبب هيمنة العادات والتقاليد وفرض السلطة الذكورية وضعف القوانين وآليات الحماية وتنفيذها على ارض الواقع لحماية النساء " .

 كما أدى غياب أفراد الأسرة الذكور بسبب القتال أو الإصابة أو الوفاة لتعرض البعض من النساء للانتهاكات، والذين يتحملون تقليديًا مسؤولية حماية النساء في أسرهم، إلى تفاقم زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي () وأثبت تزايد أدوار ومسؤوليات المرأة اليمنية أنه سيف ذو حدين. وبالرغم من أن تغير الأدوار المتعلقة بالنوع الاجتماعي يمكن أن يتيح فرصة لتخفيف وطأة الوضع الراهن الذي تعيشه المرأة اليمنية عندما تكون مسلحة بقدرات مناسبة، فإن النتيجة التي ترتبت عن هذه المرحلة الانتقالية جعلتها تتعرض أكثر فأكثر للعنف.
وأظهرت الأدبيات المتوفرة أن المجتمعات التي تسود فيها المعايير الصارمة المتعلقة بالنوع الاجتماعي، يشعر فيها الرجال بالضعف والتهديد عندما تتعرض هذه الأدوار إلى التغيير، الأمر الذي يمكن أن يقود إلى تزايد العنف بين الشريكين "وهذا يعود للنظرة القاصرة في المجتمع لطبيعة عمل المراة وخلق االمشاكل بين الزوجين بسبب نجاحها والصراع على المال". () ومن بين عدد كبير من النساء اللواتي يتعرضن للعنف (الناجيات من العنف) هناك عدد قليل من يقٌمن بالتبليغ عن حالات العنف والانتهاكات، وذلك يرجع إلى فقدان الثقة في الجهات القانونية، وعدم وجود آليات حماية يستطعن من خلالها الحصول على حقوقهن، والخوف من وصمة العار الاجتماعية مما يضطرهن للصمت والتكيف السلبي "والتعايش مع الألم"مع هذه الانتهاكات " بعدم التبيلغ عنها. فالتشريعات تفيض بالتمييز ضد النساء" المـادة ٢٣٢ في قانون العقوبات و الـتي تـنص علـى أن لا يتّــهم بجريمـة القتـل أي زوج يقتـل زوجتـه أو أي قريب آخر يقتل امرأة من أقاربه بسبب الزنا "، يصاحبها سوء التطبيق وغياب المحاسبة وهشاشة القضاء وسلطات انقاذ القانون، وعلى مستوى المراحل الثلاث لتشكيل الحكومة لم تراع فيها نسبة الكوتا النسائية، والتشكيل الأخيرللحكومة اليمنية خير دليل على اقصاء المراة لدورها بالمشاركة  في مواقع صنع القرار، تحت مبرر أن الأحزاب لم ترشح نساء ممثلات عنهم وفكرة ان التوقيت للرجال خلال الحرب والنزاعات .

تم الإبلاغ عن زيادة بنسبة 63 % في حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي منذ بدء النزاع. (3) ووفقاً لدراسة أجرتها منظمة اوكسفام وكير فإن خطر "الاختطاف" أكثر بروزًا في أبين (24.4٪) وعدن (17٪) "وقد يرجع السبب لوجود الجماعات الدينيه والسياسية" ، وبينما يعتبر خطر العنف الجنسي ضد النساء والفتيات هو الأعلى في تعز نتيجة التواجد الكبير للفئات المهمشة ، حيث أفادت التقارير أن الفتيات من الفئات المهمشة معرضات بشكل خاص لخطر العنف، والمضايقات المتكررة من قبل الجماعات المسلحة عند نقاط التفتيش، والاختطاف" الفئات الأشد فقراً، حيث تعتبر هذه الفئة في نظر المجتمع متدنية في المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والديني كذلك ومن السهل استغلالها ". (4) وغالباً لا يتمكن الناجون من العنف القائم على النوع الاجتماعي من الوصول إلى خدمات الدعم، مما يعرضهم بشكل خاص لخطر الوفاة أو مضاعفات الإصابة الجسدية، وتقلص فيروس نقص المناعة البشرية، والأمراض المنقولة جنسياً والحمل.(5) حيث يُقدَّر أن 2.6 مليون امرأة وفتاة 5 معرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي حيث أدى الإيواء في مخيمات النزوح وانهيار آليات الحماية إلى زيادة تعرض النساء والفتيات للعنف بشكل كبير.(6) تم الإبلاغ عن أكثر من 10000 حالة اغتصاب وعنف منزلي وزواج قسري وزواج أطفال وإيذاء جسدي ونفسي وصدمات ضد النساء والفتيات في عام 2016 وحده من المرجح أن يكون المدى الحقيقي أعلى بسبب الأعراف الاجتماعية التي لا تشجع على كتابة التقارير.(7)

وبما أن النساء من أكثر الفئات تضرراً بالحرب أدى ذلك إلى اصدار العديد من المواثيق والقوانين الدولية نصوصاً خاصة بحماية النساء في أوقات النزاعات المسلحة، ومنها اتفاقية السيداو وقرار مجلس الأمن المرأة والأمن والسلام 1325، واعداد الخطط الاستراتيجية الوطنية بآليات الحماية في أوقات النزاعات والصراعات المسلحة، وقد اعتمدت الحكومة الخطة الوطنية لتنفيذ القرار 1325 في نوفمبر 2019م، إلا أن تمثيل المنظمات النسوية المشاركة في صياغتها كان محدوداً ومقصوراً على منظمات المناطق الجنوبية فقط وافتقرت الخطة للموارد المطلوبة ومؤشرات التنفيذ.  

ونستخلص مجموعة من التوصيات لمعالجة العنف ضد النساء على المستوى الوطني من خلال :
- أن يستند أي إجراء تتخذه الأمم المتحدة إلى إطار أوسع من معالجة التمييز بين الجنسين، من خلال عملية إصلاح تشريعي وطني من شأنها معالجة الانتهاكات الطويلة الأمد لحقوق الإنسان الخاصة بالمرأة، وعليه يجب:

- على السلطات اليمنية أيضا أن تضمن وتعزز حماية النساء من العنف والتمييز داخل منازلهن وخارجها ومؤامتها مع القوانين الدولية
- على الدولة بتطبيق مبدأ العناية الالزامي من قبل منفذي القانون والجهات المقدمة للخدمات القانونية والاجتماعية لمكافحة العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي.
المطالبة بوجود محاكم الاسرة للفصل في النزاعات الاسرية المختلفة، وتقديم الحماية للنساء والاطفال.
- وضع آليات للرصد والانتهاكات المتعلقة بالعنف ضد النساء.
- على الدولة إنشاء مراكز إيواء ودعم نفسي وتوفير أماكن آمنة للنساء ومساعدة قانونية مجانية على مستوى جميع المحافظات ، وتفعيل دور وزارة العدل في تقديم المساعدة القانونية المجانية للمرأة.

المراجع

(1) Basharen, S. (2016). No Future for Yemen without Women and Girls (Policy Brief). CARE. Retrieved from: http://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/CARE_No-Future-for-Yemenwithout-Woman-and-Girls_Oct-2016.pdf
(2) OCHA Yemen. (2016). 2017 Humanitarian Needs Overview: Yemen. OCHA Yemen. Retrieved from: https://docs.unocha.org/sites/dms/Yemen/YEMEN%202017%20HNO_Final.pdf
(3) Gressmann, W. (2016). From the Ground Up: Gender and Conflict Analysis in Yemen. Oxfam. Retrieved from:  https://policy-practice.oxfam.org/resources/from-the-ground-up-gender-and-conflict-analysis-in-yemen-620112/
(4) Heinze, M-C. (2016). Literature review: Women’s Role in Peace and Security in Yemen. Safer world, CARPO, & YPC. Retrieved from:  http://www.saferworld.org.uk/resources/viewresource/1095-womenas-role-in-peace-and-security-in-yemen
(5) Document of the Comprehensive National Dialogue, part IV: State-building, P. 94
(6) Al Naami, A., & Moodley, S. (2017). We won’t wait: As war ravages Yemen, its women strive to build peace. Oxfam International. Retrieved from:  http://policypractice.oxfam.org.uk/publications/we-wont-wait-as-war-ravages-yemen-its-women-strive-to-buildpeace-620182.
(7) CARE. (2015). CARE Rapid Gender Analysis: Yemen. CARE. Retrieved from: http://gender.care2share.wikispaces.net/file/view/Rapid+Gender+Analysis+-+Yemen+-+FINAL.pdf

شارك هذا البوست
عن سجن راوية الأبدي!
محمد محروس