التحدي والتصدي للتحريض والتضليل: قصص النساء العاملات في اليمن
فايز الضبيبي

بشكل دوري، يمتلئ الفضاء الرقمي في اليمن بمعلومات وأخبار مغلوطة تستهدف المرأة العاملة، خاصةً اللاتي يعملن في المنظمات المحلية والدولية. هذه الأخبار تنال من سمعة النساء، وتتجاوز ذلك للتحريض العلني عليهن. ولكن تبقى نساء اليمن صامدات ومواصلات لعملهن الجبار.


على الرغم من نفي المنصات المتخصصة في التحقق من الأخبار لادعاءات باطلة استندت على معلومات مضللة ضد النساء اليمنيّات العاملات مع المنظمات، فإن العديد من الصحفيين والناشطين ساهموا في نشر الشائعات، دون مراعاة للآثار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن استهداف المرأة اليمنية وجهودها الجبارة منذ اندلاع الحرب في البلاد.

استطاع فريق منصة صدق اليمنية، وهي منصة يمنية تعنى بالتحقق من المعلومات، من كشف الحساب المزيف سمية الخولاني، وفضح من يقفون وراءه.

 
 

نشر هذا الحساب سلسلة منشورات اتهم فيها النساء العاملات في المنظمات بتهم أخلاقية عدة. إلى جانب ذلك تمكنت المنصة من إغلاق أكثر من 24 حسابًا مزيفًا، وحذف 75 منشورًا استعملوا لاستعطاف الناس وكسب الأموال على الفيسبوك. جميع هذه الحسابات كانت بأسماء نساء وهمية، وتستخدم صور نساء منقبات كصور شخصية للحسابات، وفقًا لـ ع.أ.، رئيس تحرير المنصة. 

في مواجهة التحريض

تعرضت الناشطة اليمنية وأستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز الدكتورة الفت الدبعي لحملة تحريض استهدفتها بشكل شخصي؛ على خلفية حملة #جوازي_بلا_وصاية التي تبنتها مع عدد من الناشطات اليمنيات، بعد منع السلطات اليمنية منح المرأة اليمنية جواز سفر دون موافقة ولي أمرها.

كجزء من هذه الحملة ضد الدبعي، نشر الكاتب والسياسي عادل الشجاع مقالًا على حسابه الشخصي على الفيسبوك، حيث اتهم الدبعي بنشر الرذيلة والمثلية، والعمل على تدمير قيم الأسرة، التفرقة بين الأزواج، وتشويه المجتمع تحت زعم الحرية.

"لم تكن تجربتي في المتابعة
القضائية للمحرضين سهلة."


رداً على ذلك، رفعت الدبعي دعوى قضائية ضد الشجاع أمام القضاء المصري، حيث تقيم. كما تقدمت بدعوى مماثلة أمام نيابة مأرب ضد سيف الحاضري، رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم، بناءً على نشره مقالاً للكاتب محمد مصطفى العمراني على موقع الصحيفة، والذي تضمن القدح في شخصيتها والقذف بها، واستهدافها باعتبارها ناشطة نسوية مرتبطة بمنظمات المجتمع المدني.

وفيما يتعلق بتجربتها مع القضاء، قالت الدبعي في جلسة نقاش نظمها مركز الإعلام الثقافي تحت عنوان مطالبات بحماية النساء والناشطات من التحريض والإبتزاز: "لم تكن تجربتي في المتابعة القضائية للمحرضين سهلة، وأدعو نقابة الصحفيين إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد الصحفيين الذين شاركوا في حملات التحريض ضدي والدفاع عن قيم الصحافة وأخلاقياتها".

قامت الدبعي مؤخرًا بنشر صور على حسابها في فيسبوك، تُظهِرها مع الصحفي اليمني غمدان أبو أصبع وآخرين. وأشارت الدبعي إلى أن الصورة تعكس لحظة اعتذار غمدان أبو أصبع لها والتصالح الذي تم بينهما، بعدما تعرّضت للتحريض من قِبَله في منشور سابق.

كبح جموح الحراك النسوي

يشير الدكتور عبد الكريم غانم، خبير علم الاجتماع، إلى أن استهداف المرأة اليمنية العاملة في المنظمات يأتي في إطار مصلحة السلطات اليمنية للحد من التحرك النسوي الذي شهد ازدهارًا خلال فترة الحرب الدائرة. ويربط الدكتور غانم هذه الظاهرة بالتغييرات التي أحدثتها الحرب في الأدوار التقليدية، التي كانت في الغالب من نصيب الرجال، مما أتاح فرصًا للنساء المؤهلات للمشاركة في السوق العمل الطارئ.

"تتضمن هذه الضغوط
ضغط الأسر على النساء
للتخلي عن عملهن."


وفقًا للدكتور غانم، يتم استهداف النساء العاملات في المنظمات من خلال سلسلة من التدابير، بما في ذلك إطلاق الشائعات التي تتهم المنظمات بسوء استغلالهن. تأتي هذه التدابير بالتوازي مع تشديد القيود على حرية تنقل النساء، وتكثيف الحملات ضد المنظمات والنساء العاملات فيها.

نتيجة لذلك، تعتبر الناشطة بلقيس اللهبي أن هذه الحملات تؤدي إلى عزل النساء ودفعهن إلى الانسحاب من المجتمع. "تتضمن هذه الضغوط ضغط الأسر على النساء للتخلي عن عملهن، وفي بعض الحالات، قد يصل الأمر إلى التصفية الجسدية." 

يشير الدكتور غانم إلى أن الهدف من كل هذه الحملات فرض قيود إضافية على المرأة. هذه القيود تقلل من أدوار النساء، مما يسهم في حرمان بعض الأسر اليمنية من دخلها. هذا يعيق التمكين الاقتصادي للمرأة ويزيد من مشكلة التفاوت الاقتصادي بناءً على الجنس في اليمن، ويضر بالتقدم الهش الذي حققته المرأة اليمنية مؤخرًا.

تأثير المنصات التفاعلية

قد مثلت منصات التواصل الاجتماعي في اليمن بيئة خصبة لانتشار وتفشي الشائعات والمعلومات المضللة، وهي المنطلق الأول لحملات التحريض والتضليل التي تستهدف المرأة اليمنية العاملة في المنظمات. ويأتي ذلك نتيجة جهل الجمهور بالحملات الرقمية الموجهة لتضليل الرأي العام، وقلة خبرتهم في التعامل مع تلك الوسائل والاستفادة منها في تدقيق المعلومات والوصول إلى الحقيقة، حسب ما يقول الصحفي مطهر الخضمي.

"تستخدم حملات التحريض
استراتيجيات التضليل."


وتضيف نورا الظفيري، الصحفية والمدققة المعلوماتية: "تستخدم حملات التحريض استراتيجيات التضليل في عملية نشر المعلومات بهدف التسبب في القمع وإلحاق الضرر بالآخرين." 

"لقد ساعد في انتشار تلك المعلومات البيئة التي تخلقها منصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها وسيلة مثالية لذلك،" تفسر الظفيري، التي تحذر كذلك من خطورة تلك المعلومات وتأثيرها على الحياة الواقعية، وقدرتها على خلق واقع بديل للأشخاص الذين يتلقونها. 

تجريم التحريض والتضليل

يجرم القانون اليمني نشر المعلومات المضللة والمغلوطة، وبالأخص التي تشكل خطرًا على حياة الإنسان وكرامته. يتيح القانون الحق لأي شخص يتعرض لهذه الانتهاكات بتقديم شكوى ومقاضاة الجاني.

"القانون اليمني يمنح النساء
 الحق في رفع دعاوى قضائية
 ضد الأشخاص الذين يقومون
 بهذه الأفعال."


تؤكد سارة العولقي، ضابطة الدعم القانوني لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، أن "القانون اليمني يمنح النساء اللواتي يتعرضن للتحريض والتضليل الحق في رفع دعاوى قضائية ضد الأشخاص الذين يقومون بهذه الأفعال،" ومقاضاتهم في المحاكم، بعد توثيق تلك الانتهاكات وتحديد نوعها ومصادرها.

ومن جهة أخرى، ترى الناشطة الحقوقية إشراق المقطري أن "نسبة قليلة فقط من الناشطات اليمنيات يتم الإبلاغ عن التعرض لهذه الانتهاكات،" في حين أن العديد منهن يخترن الصمت إما بالإكراه أو لأسباب أخرى، خاصة في ظل عدم وجود هيئة أمنية متخصصة في التعامل مع هذا النوع من الانتهاكات، ومع وجود تحدي في تفسير النص القانوني.

وفي نفس الجلسة التي نظمها مركز الإعلام الثقافي المذكورة أعلاه، اقترحت المقطري ضرورة توحيد الجهود لمواجهة حملات التحريض ضد النساء في اليمن، بما في ذلك تقديم الدعم القانوني، وتشجيع النساء على الإبلاغ عن هذه الجرائم، إلى جانب الحاجة لمنصة تتولى استقبال بلاغات الناشطات اللواتي يتعرضن لحملات تشهير أو ابتزاز، وتوثيق تلك الانتهاكات بالأدلة لضمان حقوقهن القانونية. 
الصورة: © منصة أصوات نساء يمنيات بواسطة ميدجورني
شارك هذا البوست
أخذ مجوهراتها بالقوة