عن المحاربة من أجل المرأة والمجتمع!
فاطمة باوزير

قبل عشر سنوات من الآن، قررت " أبها " أن تخوض غمار المجتمع المدني لدعم وتمكين المرأة في محافظة حضرموت، شرقي اليمن، بما يضمن إعلاء أصوات النساء، انطلاقاً من رؤية عامة كونتها أثناء دراستها للطب في صنعاء عام 2008.

أسست أبها باعويضان  مؤسسة الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية في أبريل عام  2013 بمدينة المكلا، وأنشأت من خلالها العديد من الفرق التطوعية النسائية بهدف إحداث تغييرات اجتماعية من خلال رفع وعي المجتمع لمكافحة بعض الظواهر السلبية، وقد كرمت من بين أكثر عشر نساء تأثيراً  في الوطن العربي عن مبادرتها (اكسوهم)وهي مبادرة سنوية لكسوة 3000 أسرة فقيرة.

أول منعطف 

تأثرت أبها باعويضان بالعمل المجتمعي أثناء دراستها الطب في صنعاء، إذ كانت شاهدة على سبع سنوات من الحراك النسوي والانفتاح للعمل المدني الذي وضعت من خلاله المرأة في العاصمة بصمات كبيرة، كما تقول، وعند عودتها إلى حضرموت كان الوضع مختلفًا بشكل كلي مقارنة بصنعاء، وهو ما دفعها لتأسيس مؤسسة تعنى بالمرأة وتحاول تغيير النظرة المجتمعية تجاهها.

لا يُقبل عمل المرأة في حضرموت ميدانيًا، وتواجه صعوبة كبيرة في الأرياف، لكن أبها حاولت التغلب على أول منعطف في عملها الذي تتذكره بالقول: " كانت الأمهات يأتين إلى المؤسسة برفقة بناتهم ليطمئنوا على عدم وجود الذكور، فلما يروا أن المؤسسة كادر نسوي يتركونهن للأنشطة والفعاليات".

اليوم وبعد مرور عشر سنوات من الخبرة المجتمعية استطاعت مؤسسة الأمل أن تصدّر قيادات نسوية للعمل المجتمعي، وكذلك في مراكز صنع القرار منهن رئيسة قطاع سيدات الأعمال بالغرفة التجارية، ومديرة البحوث في إدارة تنمية البحوث الإدارية بديوان المحافظة، والمدير العام للبحوث والتنمية الإدارية بديوان المحافظة، ومديرة مجمع تعليمي في إحدى القرى (ريدة الجوهيين)، ومديرة الشؤون القانونية في مستشفى المكلا، جميعهن كن منتسبات ومتطوعات في مؤسسة الأمل.


المبادرة مستمرة

في مطلع 2017 بلغ مواطنون الدكتورة أبها باعويضان بوجود نازحين يفترشون الأرض تحت جسر المكلا، وعند تأكدها من الأمر تفاجأت بوجود ست أسر من مديرية حيس، جنوبي الحديدة، وبعد حديثها معهم تبين أن هناك 15 أسرة أخرى تعيش وضعًا سيئًا من المديرية ذاتها، طرق ذووها أبواب منظمات المجتمع المدني ولم يستجب لهم أحد.

على الفور، تواصلت أبها مع السلطة المحلية سائلة عن مكان يأوي الأسر النازحة، لكنهم أجابوها بأنه لا يوجد مكان، وتحت إصرارها تم تشكيل لجنة من إدارة الأمن ومدير مديرية المكلا إضافة للشؤون الاجتماعية، وأقروا في اجتماع مشترك مع الدكتورة أبها نقل النازحين إلى منطقة الدواجن في منطقة فُوّة غربي مدينة المكلا..

فجأة وفي أحد الليالي يرن هاتف " أبها " ليكون الاتصال من إحدى النساء النازحات تستنجد بها إثر سماع إطلاق وابل من الرصاص في سماء المخيم، وأصوات تدعوهم للخروج من المكان، ووسط خوف النساء وعويل الأطفال كان الوضع خطيراً فاضطرت " أبها " للتواصل مع السلطة المحلية مجدداً وطلب نقل النازحين إلى مكان آخر أكثر أماناً على الرغم من أن المكان قد هيأ بالخيام ودورات المياه.

 قامت أبها بمساعدة من السلطة المحلية بتأمين مكان مؤقت للنازحين في إحدى المرافق الحكومية، وكانت هي المسؤولة قانونيًا لإخلاء النازحين وإيجاد مكان لهم بما لا يتعارض مع حقوقهم في الحصول على موقع آمن يمكنهم النزوح إليه. 

في بداية عام 2022 حدد موقع آخر للنازحين بعد اجتماع مع أحد وكلاء المحافظة ومدير المديرية، تكفلت أبها عبر مؤسستها بكافة الخدمات الإنسانية للنازحين، واشترطت توفير الكهرباء لهم، لكن ذلك لم يتم، تقول أبها: "من أهم المشاكل التي لا زالت تواجه النازحين حتى الآن والتي نأمل أن تحلها السلطات هو تزويد المخيم بالكهرباء". 


قصص من المخيم 

لا يتوقف تدخل أبها عند حد توفير الخدمات والمعونات الأساسية للنازحين، بل يتجاوز ذلك إلى المستوى الشخصي، فـ" كريمة " واحدة من النازحات اللواتي ساعدتهن الدكتورة أبها، إذ كانت مريضة بتكسرات الدم وكانت في حاجة ماسة إلى استئصال الطحال، وقبل العملية كانت بحاجة إلى لقاح غير متوفر فطلبته لها من السعودية عبر جهات داعمة، وكذلك فعلت حتى أجرت لها عملية الاسئصال.

كانت " كريمة " لا تقوى على المشي، وكل يومين تذهب للمستشفى للحصول على دم، حيث وفرته لها مؤسسة الأمل مجاناً لمدة خمسة أشهر، حتى أجرت العملية، وبعد العملية انطلقت في حياتها وهي الآن تعمل لإعالة نفسها وعائلتها. 

ووفرت المؤسسة في المخيم آلة غزل للملابس الشعبية الرجالية (السباعيات) فكان النازحون والنازحات يعملون عليها كمصدر دخل لهم.

كما نجحت " أبها " في إقناع عدد من المستشفيات في مديرية المكلا بتوفير الرعاية الصحية المجانية الكاملة للأسر النازحة، حيث تكفلت مع مؤسستها بنصف القيمة ونصف القيمة جمعتها من تجار وجمعيات.


محاربة من نوع خاص!

لا حدود لما تقوم به الدكتورة أبها، فإلى جانب تدخلاتها الإنسانية، لديها مساهمات أخرى، إذ قادت مع سبع نساء أخريات حملة مناصرة لفتح مطار " الريان " وطريق " الضبّة " اللذين كانا مغلقين لأسباب أمنية.

بطريقة إبداعية فكرت أبها وزميلاتها في حملتهن من أجل إعادة فتح مطار الريان وقمن بعمل ورش عمل وزيارات لجهات معنية بالموضوع، وإقامة معارض فنية للأطفال للرسم عن القضية، إضافة إلى تفعيل منصة استماع أسبوعية لعرض قصص إنسانية تأثرت بإغلاق المطار، ليأتي لهم على إثرها اتصال من مسؤولين يطلبون منهم إيقاف المنصة حتى إشعار آخر.

وفي طريق " الضبّة " وهو همزة الوصل بين المكلا عاصمة المحافظة والمديريات الشرقية، حيث أغلق الطريق لأسباب أمنية بعد خروج الجماعات الإرهابية من ساحل حضرموت، مما اضطر المواطنين تكبد عناء السفر عبر طريق آخر طويل ومتعرج وخطير.

ارتفعت الأسعار مع انهيار العملة الوطنية وأصبحت كلفة النقل مضاعفة على الطلاب من المناطق الشرقية، فقام 350 طالباً بوقفة احتجاجية أمام الجامعة أعلنوا تعليق الدراسة، بسبب عدم قدرتهم على دفع رسوم المواصلات، هنا تدخلت مؤسسة الأمل لتعيد لهؤلاء الطلاب الأمل، فنفذت حملة لإعادة فتح طريق " الضبّة " حتى تقصر المسافة وتقل التكلفة على الطلاب، تقول أبها: " قدمت مؤسسة الأمل الحل بأن اعتمدت رسوم مواصلات لطلاب السنة الأخيرة من الـ 300 طالب عبر المؤسسة.. أما باقي السنوات أخذنا المتفوقين ودفعنا لهم الرسوم، كما قمنا بعمل حراك مجتمعي لفتح الطريق عبر جمع السلطة المحلية والأمن والأحزاب والجمعيات في ورشة عمل وطلبنا منهم الحل". 

بعدها بفترة فتح طريق الضبة جزئياً من الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة السادسة مساءً، واستطاع الطلاب التنقل عبره والوصول إلى كلياتهم، وكذلك فتح مطار الريان جزئياً أمام رحلة واحدة داخلية بينه وبين عدن وسقطرى!


شارك هذا البوست
آليات وأساليب الدعم والتضامن مع النساء: كيف يمكن للرجال دعم ومساندة النساء في اليمن؟