نساء المهرة: رمز للقوة والتأثير الإيجابي في المجتمع
فاطمة باوزير

في أقصى شرق اليمن، تقع محافظة المهرة، أرض الجمال والتاريخ التي تتميز بطبيعة خلابة، من الجبال الشاهقة إلى الشواطئ الرملية البيضاء، إضافة إلى تميزها بتراث ثقافي غني بالتنوع، يعود تاريخه إلى آلاف السنين.

تشكل نساء المهرة جزءاً مهماً من المجتمع المهري قديماً وحديثا؛ فهن يلعبن دوراً محورياً في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، ويساهمن في تماسك مجتمعهن وإبراز معالم قوته عبر مساندة الأعراف والتقاليد المعززة للتشاركية والأعمال الجماعية الحميدة.

تمتلك النساء في المهرة تقاليد غنية وثقافة تعود لعقود، فهن يتميزن بالحفاظ على القيم والتقاليد القديمة، مثل اللباس التقليدي، والحديث باللغة المهرية، والطقوس الاجتماعية التشاركية في الأفراح والأتراح.

 

شجاعة وتحدي

فاطمة بنت مشخفي، مهرية تنتمي إلى قبيلة كِلشات وهي أحد أعرق القبائل المهرية، تعيش فاطمة حياتها بحرية واستقلالية؛ فهي تمارس التدريس ولديها أخوات وزوجات إخوة يمارسن أعمالاً مختلفة في سياقهن الاجتماعي.

فاطمة مثال حي على قوة واستقلال المرأة المهرية، فهي امرأة مستقلة وطموحة، ومتمسكة بالعادات والتقاليد الحميدة إذ تخرج بثوبها المهري الواسع ذي الذيل الطويل، ولا تلبس الملابس العصرية إلا في العمل أو حينما تغادر محافظة المهرة إلى إحدى المحافظات الأخرى، وهي سنة مهرية متوارثة كتقليد اجتماعي لا يمكن القفز عليه.

يرجع عامر سلام المختص بالتراث والثقافة المهرية قوة واستقلالية المرأة المهرية إلى قديم الزمان، حيث كان للمرأة المهرية مكانة خاصة في الأسرة إذ يجب أن تحترم، ويتعامل معها بقدسية مختلفة.

ويروي سلام قصصاً عن المرأة المهرية في قديم الزمان، معبراً عن ذلك بقوله: "كانت أغلب القبائل المهرية بدواً رحلاً، يعيشون متنقلين، فكانت المرأة المهرية هي من تأوي العائلة في الكهوف، وفي عمليات الثأر القبلي، قامت المرأة المهرية بعملية "الخَفَارَة" وهي تعني أن من كان عليه ثأر ويتم ملاحقته من قبل قبيلة ما، فإنها تقوم بتأمينه في كهفها، وتحميه من القبيلة التي تلاحقه، وكانت هذه العملية مقبولة في المجتمع، وقد سلمت بذلك أرواح كثيرة في المهرة من الثارات بسبب شجاعة المرأة المهرية ومكانتها في حفظ السلام التي تحظى بها بين القبائل، لعل ذلك كان نتيجة لقوة شخصيتها آنذاك"، حسب قوله.

سيدة البيت الكريمة

في حال غياب الرجل أو في وجوده، كانت المرأة المهرية هي التي تستقبل الضيوف وتكرمهم، وتقدم لهم المشروبات من الماء أو اللبن، وقد تصل إلى حد ذباحة وتحضير اللحوم للضيافة .

عن ذلك يضيف سلام قائلاً: " بالنسبة للذبح للضيوف تستعين بجيرانها أو أحد أقربائها لتذبح لضيوفها، لكن لربما كانت هناك من تذبح هي بنفسها، والأجمل من ذلك أن المرأة المهرية كانت تتمتع بحق اختيار الزوج، مثلاً إن أراد الرجل الزواج من امرأة فإنه قبل أن يطلب يدها من أبيها أو ولي أمرها يتجه لها ليسألها هل توافق عليه؟ غالبا يكون ذلك إما في المرعى، أو في البيت، أو حيث تتواجد، فإن أبدت له الموافقة ذهب بعد ذلك لأهلها لإتمام مراسم الخطوبة والزواج. إنه كعروض الزواج (wedding proposal) التي نسمع عنها في الدول الأخرى، فالمرأة المهرية لها حق المشاورة والرأي مثلها مثل الرجل، وهذا يختلف نوعاً ما عن وضع المرأة في بعض من المناطق أخرى".

تؤيد عزيزة كلام سلّام، وهي مهرية تعمل في مجال التسويق الإلكتروني، إذ تقول: "مازالت المرأة المهرية يتم مشاورتها في قبول الزواج ولا يتم غصبها على الزواج أبداً، لا يوجد هذا في ثقافتنا، كما أننا أصبحنا نعمل في كثير من المجالات".

قديماً كانت المرأة المهرية تعمل في مجال الرعي والزراعة وتربية الأطفال، لكنها حالياً دخلت مجالات العمل في الوظيفة الحكومية والقطاع الخاص. فأصبحت معلمة، وطبيبة، ومسوقة، وعلى الرغم من هذا التطور في المجال الاقتصادي، إلا إن حياتها الاجتماعية لم تدخلها أنماط التغيير، وظلت محتفظة بعاداتها وتقاليدها.

نساء محافظة المهرة رمز للقوة والتأثير الإيجابي؛ فهن تجسيد حقيقي لمفهوم الجندرة، يجب إبرازهن كمثال للقوة الحقيقية في المجتمع اليمني لما يقدمنه من أجل مجتمعهن منذ عقود.

شارك هذا البوست
بشارة.. مسيرة امرأة حافلة بالانتصارات!
رانيا عبد الله