تشهد الساحة الفنية في اليمن تحسنًا على مستوى الإنتاج الدرامي السنوي، وعلى الرغم من كونه موسميًا محصورًا في شهر رمضان ضمن سباق تنافسي بين القنوات اليمنية للفوز بنسب متابعة ومشاهدة عالية إلا إن ذلك لا يمنع من قول الحقيقة حول كثافة الإنتاج، ومحاولة التحسن المشهودة.
في هذا السباق حضرت المرأة كمؤلفة، وممثلة، ومصورة، وحتى في الكواليس كمعالجة سينمائية، وفي الديكور والملابس، لكن هذا يبقى في إطاره العام ضمن سياق تساؤلي: هل منحت المرأة أدوارًا بطولية في مسلسلات هذا العام؟ ما الصورة التي بدت عليها؟ ما هي القضايا النسائية التي ناقشتها الأعمال الدرامية؟ وما التطور الذي طرأ على حضور المرأة من حيث الأدوار والقضايا مقارنة بالأعوام الماضية؟
أكبر من كونها أدوار
ولم تسلم الساحة الفنية من حالة الشد والجذب التي تصدرها المؤيدون والمعارضون، فبين الثناء بالمستوى الذي وصلت إليه الدراما اليمنية، وبين الانتقاد اللاذع لتفاصيل صغيرة قياسًا بالإمكانيات، كان للمرأة حضورها الذي اعتبره كثيرون ناجحًا إذا ما تمت المقارنة بينه وبين الإمكانيات المتاحة، منهم سام البحيري، مدير مؤسسة ميون للإنتاج الفني والإعلامي الذي اعتبر أدوار الممثلات اليمنيات ناجحة، أمام افتقارهن للتأهيل الأكاديمي والمعاهد والمؤسسات المتخصصة في الدراما، وأيضًا العمل الموسمي الذي لا يكفي لصقل المهارة في العمل الميداني.
البحيري أضاف في حديثه لمنصة أصوات نساء يمنيات: "لاحظت أدوارًا للمرأة اليمنية، وتصدر اسمها في الأعمال، وقدمت لهن أدوار بطولية تصدرت بهن الأعمال الرمضانية، واختير لهن في الغالب أدوار رئيسية تجسد دور المرأة اليمنية في الكفاح، ومشاركة الرجل، واتخاذ القرار، وهذه طريقة إيجابية في العمل الدرامي".
ويرى البحيري أن ظهور الممثلات اليمنيات يعد جانبًا من جوانب النجاح الذي يحسب للدراما اليمنية أمام التعقيدات والقيود التي تفرضها التركيبة الأسرية والمجتمعية في اليمن خصوصًا المتمثلة في عدم تقبلهم للمشاركة في التمثيل والظهور رغم كل التحفظات التي تراعي الأعراف اليمنية، ناهيك عن الردود السلبية والتنمر الذي تقابل به الممثلات اليمنية على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قد تلحق بهن التسمية والتصرفات والأدوار الممثلة في العمل إلى واقعهن المعيشي، وظهورهن في منصات التواصل الاجتماعي بحياتهن الشخصية، وهذا تحدي كبير تخوضه الممثلات في تحمل الردود السلبية، وفي مواصلة العمل الدرامي.
قضايا تحت التهميش
إضافة إلى الأدوار المتعددة التي قامت بها ممثلات يمنيات في المسلسلات والتي وصلت إلى البطولة، ونال بعضهن فرصًا أفضل من سابقاتها، فقد كانت هناك العديد من القضايا النسائية المتناولة في الأعمال الدرامية الرمضانية، ويمثل هذا عمقًا في الرسالة والمحتوى والمضمون الذي يبرهن على قيمة كل عمل درامي يضع في حسبانه الجمهور.
الصحفية والناشطة في القضايا النسائية منال شرف اعتبرت مسألة التطرق لقضايا المرأة في الأعمال الدرامية نقطة فارقة بإمكانها أن تسهم بشكل كبير في تغيير وعي المجتمع تجاه العديد من المسائل ذات الخصوصية بالمرأة.
وتلاحظ شرف أن الدراما اليمنية تهمش كثيرًا من القضايا الهامة ليست المتعلقة بالمرأة وحسب، حيث تقول: "ربما وجدنا حضورًا يتضاعف للنساء في الدراما عامًا تلو الآخر، إلا أن تلك الوجوه تعامل كوسائل تسويقية بما يرضي كبت المجتمع، وقلة منهن من يواصلن العمل الفني ويثبتن اهتمامهن بالمجال".
وبلغة أكثر واقعية تضيف شرف: "وجود المرأة الناقص في مختلف مجالات صناعة الدراما واحد من الأسباب المؤدية لحرمان المشاهد من التطرق لقضايا المرأة باعتبارها شريحة مهمة في المجتمع"، وتضيف: "أكاد أجزم أني لم أشاهد أي قضية تتعلق بالنساء نوقشت في الأعمال الدرامية التي شاهدتها هذا العام، وهو أمر مؤسف، وإن حضرت المرأة فتأتي في سياق سيناريوهات ضعيفة لا تغوص في العمق الحقيقي للمعاناة والمشكلة، ولا تفتح مع المجتمع نقاشًا جدليًا حول حقوق المرأة المسلوبة باسم العرف والدين".
قضايا ستثير جلبة في أوساط المجتمع وهو ما تتجنبه الدراما اليمنية، ولكن إن لم يملك صناع الدراما اليمنية شجاعة تمكنهم من تجاوز مسألة الترفيه إلى تحقيق الدور الحقيقي للدراما، بالمساءلة والتوعية وإثارة الجدل، فالسيرك أولى، والكلام هنا للصحفية منال شرف.
وشهدت الساحة الفنية اليمنية إنتاج عدد من الأعمال الدرامية الموسمية خلال شهر رمضان، وهي حالة سنوية متكررة، وتختفي طوال العام، إذ تحشد الإمكانيات الإنتاجية لمواكبة الموسم الرمضاني، في سباق الفوز بنسب مشاهدة عالية من قبل جمهور الشاشة ومنصات التواصل الاجتماعي.
وبالرغم من التحسن الطفيف للحضور النسائي مقارنة بالأعوام الماضية، إذ باتت هناك ممثلات شابات يقمن بأدوار بطولية وأخريات مستجدات ولكنهن تميزن في الأدوار التي أنيطتن بهن إلا إن الكاتبة والناقدة السينمائية هدى جعفر ترى أنه لا يمكن الحديث عن صورة المرأة في الدراما اليمنية دون الحديث عن صورة الرجل؛ إذ لا يمكن معرفة صورة المرأة دون الرجل، وكلاهما بنفس الدرجة، كما تقول.
جعفر في حديثها لمنصة أصوات نساء يمنيات، تضيف بأن صورة المرأة في الدراما اليمنية لم تختلف عن الأعوام السابقة، ولن تختلف حتى في المستقبل القريب؛ مبررة ذلك بوجود مشكلة عويصة جدًا فيما يخص الكتابة، مؤكدة ذلك بالقول: "نحن لدينا مشكلة لا تخص كتاب الدراما وحسب بل كتاب النثر والكتابة الأدبية عمومًا في اليمن بخصوص رسم الشخصيات؛ فالشخصيات في الدراما اليمنية مسطحة لا تعكس الواقع وهذا يشمل النساء والرجال".
"سيكون هناك اختلال إن خصصت حديثي حول المرأة فقط؛ لأن النساء والرجال يواجهون نفس المشكلة، فلا وجود لعمق في رسم شخصيات لها ماضي ومميزات، وكأنه تم الاكتفاء بشخصيات كرتونية فرضت على النص بذات التنميط والشكل الواحد"، هذا ما خلصت إليه جعفر، وتضيف: "الصورة لم تختلف، ولن تختلف حتى في السنوات القادمة على مستوى الإنتاج الدرامي".
الصورة ل: ياسين العسالي