مقابلة مع شخصيات داعمة لقضايا المرأة- يحيى الضبيبي
أجريت هذه المقابلة مع السيد يحيى الضبيبي ، كاتب وصحفي ومدرب وناشط حقوقي.

في البداية أوجه الشكر لكل فرد في هذا المجتمع يسعى جاهداً لمسانده ودعم المرأة، التي تجاهد من أجل تحديد ملامح وجودها خاصة في ظل صراع الحروب المستمرة التي تكون من نتائجها تعرض النساء للخطر ليس فقط على المستوى الشخصي من اعتداءات جسدية وانتهاكات تكون هي دوماً الحلقة الأضعف ولكن على مستوى المجتمع ككل، فهي تشكل نصف المجتمع، فهي الأم والأخت والبنت والزوجة وهي أيضاً تنجب الأبناء والمربية والراعية والمساندة في أوقات الشدة والرخاء.

في هذه السطور نحدد بعض الملامح لأشخاص كان لهم دوراً بارزاً ومساعداً ومساهما ليس على مستوى حياتهم الشخصية وإنما على مستوى حياة من حولهم، هذه الشخصيات تحمل في طياتها أفكار لم نعد نسمعها كثيراً بسبب تأثير الحرب على الجانب النفسي والمجتمعي، فصرنا نسمع في الأغلب أصوات معاناة الحرب والانتهاكات تتردد على مسامعنا بين الحين والآخر..

فشكراً لكل من سمح لنا أن نغوص معه لنعرف ما يجول في خاطره من أفكار وتفاصيل حول وضع المرأة وكيف كان دوره على المستوى الشخصي والأسري وكذلك المجتمعي، في إتاحة الفرصة للنساء بأن تكون شريكاً معه..

ولدينا في هذا اللقاء أنموذجاً للتميز والإبداع ومسيرة حافلة بالعطاء، وقصة نجاح ملهمة تتجسد في شخصية ضيفنا الصحفي القدير الأستاذ يحيى الضبيبي، المعروف بهدوئه وجديته في العمل وطموحه وروحه الوضاءة أخلاقاً ومهنية وتواضعاً، أكسبته حضوراً مميزاً في الوسط الصحفي والإعلامي والثقافي، وحظي بمكانة مرموقة في المجتمع..

والأستاذ يحيى الضبيبي كاتب وصحفي، ومدرب، ومهتم بالجانب البحثي، وناشط مدني وحقوقي.. حاصل على بكالوريوس إعلام ـ صحافة من كلية الإعلام بجامعة صنعاء 2004م، ويستكمل حالياً الدراسات العليا في مجال الصحافة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، ولديه العديد من الأبحاث والدراسات في مجالات متعددة، فضلاً عن رصيد كبير في العمل الإعلامي والصحفي..   

 1/ بداية نرحب بك أستاذ يحيى.. ونشكر مشاركتك معنا في منصة أصوات نساء يمنيات..


* مرحباً بكم.. وأشكر لكم هذه الاستضافة، وهذا التقديم، وأتمنى لمنصة أصوات نساء يمنيات، كل التوفيق، وأثق أن هذا المشروع الرائد الذي يضم مجموعة من الخبراء والخبيرات النسائية اليمنية في مجال النوع الاجتماعي بقيادة الأستاذة منية حسن، سيحقق نتائج إيجابية كرافدٍ هام من روافد الحركة النسائية وتعزيز العمل النسوي المنظم والهادف..

   2/ فيما يتعلق بإنجازاتك الداعمة لتعزيز الوعي بحقوق المرأة، وتنمية حراكها المجتمعي، هل يمكن أن تعطينا بعض المساهمات والإنجازات أو الأعمال التي عملت عليها في هذا الجانب؟ على المستوى الأسري، هل بالإمكان سرد امثلة عملية على مستوى الاسرة والمجتمع المحيط في كيفية دعم المرأة كنموذج لتحفيز الآخرين على فعل ذلك؟

 إذا ما كنا أكثر دقة في التوصيف، فيمكن الإشارة إلى أنها قد لا ترتقي إلى وصف "إنجازات" باعتبارها إسهامات في بداية الطريق، نأمل أن تليها إنجازات أكثر فاعلية وتأثيراً على المستوى الأسري والمجتمعي..

وقد عملت جاهداً في هذا الجانب من خلال الإعلام والتوعية وتناول قضايا هامة وطرحها في وسائل الإعلام بهدف تحسين الصورة النمطية للمرأة، ومعالجة قضاياها المختلفة، كما عملت في إطار غرف إعلامية مخصصة للجندر، وساهمت في الإعداد والترتيب لهذه المشاريع، وفي المشاركة بمواضيع صحفية فيها..

وشاركت ضمن حملات عالمية متعلقة بالمرأة مثل مبادرة "قصتها" (Her Story) لإشراك الشباب في تعزيز المساواة بين الجنسين وزيادة الوعي بقيادة المرأة ومساهمتها في التنمية البشرية، من خلال دعم تمثيل المرأة وحضورها بشكل أفضل على الانترنت.

وكانت مشاركتي في حملة (قصتها العالمية) ضمن حملة بيجين +25 لتضييق الفجوة المعرفية بين الجنسين والإسهام في نشر المعرفة في ويكيبيديا العربية، والتي نفذها المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية لإنتاج المعرفة ونشرها حول قضايا المساواة بين الجنسين، في ديسمبر 2019م.

يضاف إلى ما سبق المساهمة في الإعداد والمشاركة في ورش عمل وندوات وحلقات نقاش تتناول قضايا مختلفة خاصة بحقوق المرأة والطفل، إلى جانب التدريب في مجال النوع الاجتماعي، ورصد وتوثيق الانتهاكات، وتعزيز المشاركة المدنية، وتغطية قضايا المرأة والسلام والأمن، والصحافة المهنية لمقارنة إيجابية للمرأة في الإعلام، والتغطية الإعلامية لقضايا الناجيات من العنف، وحقوق المرأة و كوفيد ـ19، ومجالات أخرى يخدم جانباً منها قضية المرأة وحقوقها وإشراكها في المجتمع وتمكينها في مختلف المجالات..

على المستوى الأسري وفي إطار المجتمع المحيط، نفذت مبادرات متعددة للإسهام في التوعية بأهمية تعليم الفتاة، وتحفيزهن على إكمال تعليمهن، والتوعية بخطورة زواج الصغيرات، وزواج الشغار، والصحة الإنجابية، ومعالجة قضايا متعددة في اتجاه تمكين المرأة ونيلها حقوقها المشروعة، ومناصرة من يتعرضن للظلم ممن يحرمن من الميراث، والناجيات من العنف، وغير ذلك..

 3/ تعتبر المرأة شريكاً أساسياً في إعالة الأسرة بعد أن تحملت عبئاً كبيراً بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد.. برأيك كيف يمكن أن يسهم الرجال في تنمية قدرات النساء ليتمكنّ من التحول إلى منتجات، في ظروف آمنة تتجاوز العقبات التقليدية التي تفرضها "ذكورية المجتمع"؟


 أعتقد ان موضوعاً كهذا بأهميته الكبيرة، يجب أن يبدأ الحديث فيه حول استعراض بعض الجوانب التي تبرز حجم الإشكالية، والوقوف أمام المؤشرات المخيفة للتقارير المحلية والدولية التي تبرز أن المرأة من أكثر الفئات تضرراً بسبب الحرب، وتحتاج 4.6 مليون امرأة، و5.5 مليون فتاة إلى مساعدة خلال عام 2021م وفقاً لوثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية في اليمن ـ الأوتشا، فبراير 2021.

ويقدر عدد النازحين بسبب الحرب في اليمن بما يزيد عن 4 مليون شخص، 70% منهم من النساء والأطفال، وحوالي 30% من الأسر النازحة تعيلها نساء حالياً مقارنة مع 9% قبل العام 2015.

وقد ارتفعت نسبة الفقر بين الأسر التي تترأسها النساء إلى حوالي 72.0 % على مستوى الريف مقارنة مع 58.2% بين الأسر التي يترأسها الرجال، فضلاً عن أن نسبة الفقر بين الأسر التي تترأسها النساء في الحضر بلغت 20.1 %، وفقاً لتقارير الجهاز المركزي للإحصاء أبريل 2021م.

ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان فإن عدد الأسر التي تعيلها نساء على مستوى الجمهورية 416 ألف أسرة تمثل 11.4 % من إجمالي الأسر في الريف، و142 ألف في الحضر تمثل 12.1 من إجمالي الأسر في الحضر.. كما أن 50 ألف امرأة متزوجة فقدن أزواجهن من عسكريين ومدنيين خلال خمس سنوات مرت من الحرب أي أن 50 ألف أسرة بدون عائل، وهذا العدد قد تضاعف إلى أضعاف مع مرور أكثر من سبع سنوات على الحرب حتى الآن.

 وإلى جانب ما سبق يمكن الإشارة إلى معضلة أخرى واجهتها المرأة بأعبائها الكبيرة تتمثل برعاية المعاقين الذين تعرضوا للإعاقة بسبب الحرب..

ومن هنا تتضح لنا خطورة هذه المشكلة التي تستوجب تظافر الجهود للإسهام في تنمية قدرات النساء، على المستويين الرسمي والمجتمعي.

وحول سؤالك عن الظروف الآمنة التي يمكن أن تتجاوز العقبات التقليدية التي تفرضها "ذكورية المجتمع"، أعتقد أن هذه الظروف تعتبر بيئة ملائمة يجب استثمارها لتتحول رؤية المجتمع في ضرورة مشاركة المرأة في العمل في ظل الحرب، من ثقافة مؤقتة إلى قناعة دائمة لتستمر بعد الحرب أيضاً.. خصوصاً وأن المرأة أثبتت جدارتها في العمل رغم صعوبة الظروف التي خلفتها الحرب، وكثير من الدراسات تؤكد أن تمكين المرأة اقتصادياً يخلق فوائد اجتماعية على المدى الطويل، وأن النساء يملن إلى إعادة استثمار ما يصل إلى 90 % من دخلهن على عائلاتهن، إذ أن تمكين المرأة اقتصادياً في فترة ما بعد الحرب هو أمر أساسي لضمان استمرار السلام والاستقرار.

ولتخفيف الأعباء على النساء اللاتي يتحملن مشقة إعالة الأسر، يجب أن يتم تدريبهن وتوعيتهن، وتشجيعهن للقيام بمبادرات ذاتية لمشاريع مدرة للدخل، وهذا يتطلب الاهتمام بالتمويل الأصغر، ودعم المشاريع الصغيرة، ودعم النساء بالمساعدات النقدية، وتنفيذ برامج التدريب قصيرة وطويلة الأمد..

أما ما يتعلق بكيفية إسهام الرجال في تنمية قدرات النساء، فإن الرجال يتحملون جزءاً كبيراً في هذه المسؤولية لتضييق الفجوة التي فرضتها الحرب وتصاعد أعمال العنف، والتي سببت في أن تكون فرص النساء محدودة، من خلال دعم تحفيز النساء وتعلميهن الحرف والأشغال اليدوية لتشكل مصدر دخل لهن ولعائلاتهن، وكذا التوعية المجتمعية بأهمية تمكينهن، وتسهيل تنقلهن ومشاركتهن في المجال العام، ومواجهة أي مخاطر يمكن أن تلحق بالمرأة، خصوصاً وأن المرأة أكثر عرضة للعنف في هذه الظروف الحالية غير العادية التي خلفتها الحرب، كما يجب أيضاً محاربة التمييز الاجتماعي المركب الذي يجعل المرأة تعتمد على الآخرين للحصول على المساعدة.

 4/ من وجهة نظرك.. ما الآلية الملائمة التي يمكن أن يسهم بها الرجل لدعم تمكين المرأة وتعزيز تفاعلها في سياق الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها؟

هذا الموضوع قد لا يمكن الإجابة عليه بشكلٍ كافٍ من خلال هذه المقابلات، فهو بحاجة لدراسات علمية ومؤتمرات وندوات ونقاشات كثيرة، وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في هذا الجانب، إلا أنها لا تزال بحاجة للاهتمام أكثر، وأتحدث هنا عن وضع بلادنا، التي تعتبر من البلدان غير الملتزمة بتمكين المرأة ومشاركتها في صنع القرار، مقارنة ببقية الدول التي دعمت مشاركة المرأة عقب إقرار المؤتمر العالمي الرابع للمرأة (بجين1995) الذي أكد ضرورة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار وتولي المناصب السياسية.

وعلى الرغم من الارتباط الوثيق لمشاركة المرأة في صنع القرار، وتمكينها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بعملية التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي والأمني في البلاد، إلا أن ذلك لا يعني إهمال هذا الأمر في ظل الحرب، والأمر هنا يمكن تناوله من شقين سياسي واجتماعي، إذ يجب على القيادة السياسية أن تولي مشاركة المرأة أهمية كبيرة وقد أثبتت نماذج نسوية كثيرة قدراتهن الكبيرة سياسياً وإدارياً بكفاءة عالية، إلى جانب استثمار قدرات النساء في إحلال السلام لتعزيز فرصه سياسياً واجتماعياً باعتبار النساء ضليعات في عملية صناعة السلام وفقاً لما أثبتته الكثير من التجارب الدولية، لما يتمتعن به من قدرات تسهم في حفظ وتماسك النسيج الاجتماعي واحترام حقوق الانسان وتعميق المفهوم الصحيح للمواطنة.

ويجب تشكيل جماعات ضغط تعمل لصالح تمكين المرأة سياسياً في ظل هذه الظروف التي نلاحظ فيها إقصاؤها بشكل كبير من قبل مختلف أطراف الصراع.

وإلى جانب مسؤولية الحكومة فإن على المؤسسات الدولية وخصوصاً الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها، مسؤولية مساندة تمكين المرأة ومشاركتها السياسية.  

والأمر لا يقتصر على الجانب السياسي فقط، بل يجب التركيز على الجانب المجتمعي أيضاً، وقد أفرزت كثير من التجارب ونتائج الدراسات حقائق هامة تؤكد على أن الفهم الجيد لمفهوم المشاركة السياسية للمرأة يتم من خلال ثلاث مقاربات تتمثل في مقاربة النوع الاجتماعي، ومقاربة التنمية أو ما أصبح يعرف بأنسنة التنمية، ومقاربة حقوق الإنسان.

ولتعزيز الدور القيادي للمرأة لا بد من الاهتمام بدعم مفاهيم حقوق الانسان والمواطنة، والقبول بالآخر، والتوعية بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوقها، والاهتمام بالجانب التشريعي الذي يعزز تمكينها، وكذا التدريب والتأهيل لوصول نساء مؤهلات إلى المناصب القيادية.

ويجب التأكيد أيضاً على ضرورة تعزيز دور المرأة على مستوى الأسرة بحيث يكون لها القدرة في صنع القرار داخل الأسرة، ومنها سيكون المنطلق نحو الشأن العام، فالمجتمع الذي لا يراعي موضوع التمييز منذ الطفولة المبكرة بين الجنسين، ينتج جيلاً مشوهاً ومعاقاً في تفكيره ووعيه.. وبعد الأسرة تأتي المدرسة وأهمية تشجيع الانخراط في التعليم، والاهتمام بالمناهج التي يجب أن تتوافق مع ثقافة حقوق الإنسان والمرأة والطفل، ثم تستمر مراحل التنشئة الداعمة لتمكين المرأة وصولاً إلى التعليم الجامعي والدراسات العليا، والتركيز على تسليط الضوء على قضايا المرأة من خلال دراسات بحثية ورسائل وأطروحات علمية، ثم في إطار منظمات المجتمع المدني وممارسة المرأة للدور المناط بها في العمل المدني والحقوقي.

والتمكين السياسي وفقاً لذلك لا يمكن أن يتم ما لم يتم الاهتمام بالجانب الاجتماعي والتعليم والصحة ودعم المساواة في كل مراحل التنشئة الاجتماعية.

وعلاوة على ما سبق يمكن إضافة أهمية نشر ثقافة النوع الاجتماعي، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمرأة التي يجعلها قادرة على المواجهة وتحمل الضغوطات، وكذلك التشجيع للمرأة لتعزيز ثقتها بنفسها وبأنها قادرة على النجاح وعلى المشاركة في الحقل السياسي، بقناعة ذاتية وليس نتاج تلقين، ليدفعها ذلك للمشاركة بجدارة وكفاءة، ولتكن رؤيتها واسعة تهتم بالشأن العام ككل وليس بقضاياها فحسب، وهذا يسهم في تحضير جيل من النساء قادرات على الحضور والتأثير وتحقيق إنجازات ملموسة.

  5/ كيف يمكن أن يسهم الرجل بدعم تطوير حلول مبتكرة للنهوض بالمساواة بين الجنسين؟

 تؤكد الأمم المتحدة أن المساواة بين الجنسين، إلى جانب كونها حق أساسي من حقوق الإنسان، فإنه أمر ضروري لتحقيق السلام في المجتمعات وإطلاق إمكانيات المجتمع الكاملة، وقد ثبت أن تمكين المرأة يحفز الإنتاجية والنمو الاقتصادي.

والمساواة بين الجنسين أصبحت جزءًا من القانون الدولي لحقوق الإنسان بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، والذي أقر بأن "جميع البشر يولدون أحرارًا متساوون في الكرامة والحقوق، وأن لكل فرد الحق في جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان، دون تمييز من أي نوع، مثل العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المولد أو أي وضع آخر".  

و"يشير تعبير المساواة بين الجنسين إلى الأدوار والعلاقات الاجتماعية بين الرجال والنساء، ويشمل ذلك مختلف مسؤوليات النساء والرجال في ثقافة معينة أو موقع بعينه، وعلى النقيض من نوع جنس النساء والرجال، الذي يتحدد على أساس بيولوجي، فإن الأدوار الجنسانية للنساء والرجال تتشكل اجتماعياً، ويمكن أن تتغير هذه الأدوار بمرور الوقت وتتباين وفقاً للمواقع الجغرافية والسياقات الاجتماعية".

وتركز الأمم المتحدة على خطة التنمية العالمية التي طورتها مؤخراً والمكونة من 17 هدفاً من أهداف التنمية المستدامة والذي ينص الهدف الخامس منها على " تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات" المعروف بالهدف القائم بذاته، لأنه مكرس لتحقيق هذه الغايات.  

ولمشاركة الرجال في دعم تطوير حلول مبتكرة للنهوض بالمساواة بين الجنسين، يستدعي ذلك دراسة الأدوار الإيجابية التي يمكن أن يلعبها الرجال في تحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز الوعي حولها، ودعم الشباب لتنفيذ برامج للدفاع عن المساواة بين الجنسين، وتعزيز قدرات المجتمع المدني لتنفيذ برامج تركز على إشراك الرجال والفتيان في جهود تحقيق المساواة بين الجنسين، وتشجيع العمل البحثي والمعرفي حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وتنفيذ ورش عمل للآباء تتعلق بالذكورة والنوع الاجتماعي لتشجيعهم على تحمل المسؤولية المشتركة مع الأمهات في تربية أبنائهم مع التركيز على ثقافة المساواة، والاستفادة من تجارب دولية مماثلة تمت في هذا الجانب.

ولتفعيل دور الرجال باعتبارهم شركاء في هذا الجانب يجب أيضاً تشجيع إشراك الرجال من الأحزاب السياسية ومنابر الإعلام، كصنّاع قرار وآباء وقادة مجتمع، من خلال التوعية حول النوع الاجتماعي والمعايير الثقافية، وحثّهم على معارضة السلوكيات غير المُنصِفة للنساء، وفقاً لما أكدت عليه مشاريع دولية سبق وأن أطلعت على بعضها، وقرأت عن أثرها الكبير، وهو ما يدفعنا للحث على الاستفادة منها.

كما يجب التأكيد على بناء الكفاءة في مجال النوع الاجتماعي، وكذا إعادة النظر في الثقافات السائدة ومحاولة تغيير الأفكار الخاطئة، والاهتمام بلغة التخاطب، وإرساء ممارسات وسلوكيات لدعم المساواة بين الجنسين في إطار استراتيجي شامل.

 6/ تؤكد الدراسات أن انعدام المساواة بين الجنسين والتمييز بينهما، كسبب جذري للعنف ضد النساء والفتيات أو كأحد عواقبه، تتطلب وجود سياسات وممارسات مراعية للاعتبارات الجنسانية ومستجيبة لها.. في ظل ظروف بلادنا والإشكاليات المجتمعية..

 أ. كيف يمكن المناصرة والعمل المشترك بين الرجال والنساء لإيجاد مثل هذه السياسات، ما هي الأدوات والآليات التي يتم الاعتماد عليها في المناصرة والدعم؟ على المستويين الأسري والمجتمعي؟

يمكن الإشارة إلى بعض الخطوات التي يمكن الاهتمام بها، ومنها ما سبق التأكيد عليه محلياً ودولياً، وأبرزها ما يتعلق بتبني حملات مناصرة من قبل المجتمع المدني يتم الحرص خلالها على إشراك الرجال والنساء بتمثيل يضمن المساواة، وإشراك الحكومة والمسؤولين في ورش وحلقات نقاش يفضي عنها ما يضمن تفعيل الحقوق الجنسية والإنجابية من خلال وضع مشاريع قوانين وتشريعات غير تمييزية بشأن المساواة بين الجنسين والحقوق والصحة الجنسية والإنجابية، يليها حملات مناصرة لإقرار هذه القوانين والتشريعات.

وفي حملات المناصرة يتم مراعاة كل الخطوات والمراحل المعروفة في هذه الحملات والتي تضمن نجاحها بدءاً بتأطير هذه الحملات وصياغة الرؤى ومن ثم وضع خرائط الميدان، وتحليل القوى، وشق طرق التغيير واختيار الاستراتيجيات والتكتيكات، والتخطيط للتنفيذ، والرصد والتقييم.

ويضاف إلى ما سبق تمكين جميع الناس وخاصة النساء والفتيات والشباب وغيرهم من الفئات المهمشة، ومنحهم أهلية الحصول على حقوقهم وصحتهم الجنسية والإنجابية، وإشراك الرجال في التوعية بالاستراتيجيات الوطنية والدولية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، والمساهمة في تنفيذها، وتقديم الخدمات المتكاملة ذات الجودة والقائمة على الحقوق وعلى اختلاف النوع الاجتماعي دون تمييز، واتحاد موحد بأداء راق وخاضع للمساءلة وقادر على إحداث تحول في النوع الاجتماعي.

ويجب أن تراعي هذه الآليات خصوصية بلدنا ومجتمعنا بحيث تراعي تسلسل المساواة بين الجنسين، والسمات المحددة التي تؤثر على الأفراد، وتستجيب لمختلف الطرق التي يتداخل فيها عدم المساواة بين الجنسين مع الخصائص الأخرى التي قد تؤدي إلى التمييز أو الضعف مثل السن والقدرة والتوجه الجنسي وغير ذلك.

 ب ـ توعية المجتمع بعدم قبول العنف ضد النساء والفتيات أو التهاون معه.

يمكن أن يتم ذلك من خلال إرساء الثقافة المدنية ومفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان بشكل عام، وتحسين الصورة النمطية للمرأة في العقل الذكوري، سواء من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال أنشطة المجتمع المدني.

والمرأة ذاتها أيضاً بحاجة إلى التوعية بحقوقها وإكسابها الثقة بذاتها للخروج من قيود الأدوار التقليدية التي تفرضها ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده التي تعزز التمييز والتهميش للمرأة..

ويقع على منظمات المجتمع المدني دور كبير في هذا الجانب لقربها من المجتمع، وباعتبارها حالة ارتباط وتفاعل بيـن المواطنيـن بعضهـم البعض، وبينهم وبين الدولة، على أسـس وقيـم داعمة للحقـوق والمواطنـة، إذ يجب أن تضطلع بدور فاعل في تكثيف التوعية والتدريب والتأهيل والبرامج والأنشطة التي تتناول خطورة العنف على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع.

كما يجب في هذا الإطار التنسيق بين المؤسسات النسائية والأحزاب في تنظيم ورش العمل وإعداد الأبحاث المتعلقة بقضايا المرأة والقضاء على ثقافة التمييز والتهميش والعنف التي تمارس ضد المرأة..

وتتحمل الحكومات مسؤولية كبيرة في التصدي للعنف، من خلال معالجة الأسباب التي تدفع إلى العنف مثل المساواة بين الجنسين، ومعالجة إشكاليات البطالة، الفقر، ارتفاع معدلات الجريمة، تعاطي المخدرات، توفر الأسلحة النارية، وغيرها من العوامل الخطرة التي يجب التصدي لها، وتهيئة بيئة مواتية من القوانين والسياسات تعزز المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان، ووضع برامج للوقاية من العنف وتعزيز القواعد والعلاقات القائمة على المساواة بين الرجل والمرأة..

 ج ـ كيفية تعزيز دور المرأة بحيث تتمكن من نيل حقوقها في اتخاذ القرارات بما في ذلك قرارتها الخاصة؟

يبدأ تعزيز دور المرأة في نيل حقوقها من تغيير الثقافة السائدة القائمة على الذكورية، وإعادة تشكيل الوعي، وتحرير الفكر من الأفكار المتخلفة التي اجتزأت بعض النصوص الدينية وعملت على تكييفها في سياق خاطئ.

وكما ذكرت سابقاً يبدأ تحرر المرأة وإيمانها بذاتها من الأسرة من خلال إصلاح قوانين الأسرة التي تحقق المواطنة الكاملة وتتيح للمرأة نيل حقها في اتخاذ القرار وسط الأسرة، ثم المدرسة والتركيز على المناهج التربوية لمعالجة الصورة النمطية ضد المرأة، ومعالجة ثقافة استعداء الآخر، وتفعيل مواد التربية الفنية وخلق مناخات آمنة لتكامل الأدوار بين الطلاب والطالبات.

ويؤكد الكثير من الباحثين والباحثات على أهمية "الإدماج النسوي في البنية الكلية للمجتمع وبالذات في مشروع التغيير، لأن الفصل الجنسي للكيان الاجتماعي أو النظام السياسي يكرس ثقافة التمييز السائدة في الواقع، ويعزز منطق الامتيازات الذكورية من خلال جعل القضية صراعاً بين الجنسين".

وتضطلع الناشطات بدور مهم في إقامة حلقة وصل مع النساء اللواتي لا يصل أصواتهن إلى الإعلام، خصوصاً في الأرياف، والبحث عن المعوقات التي تحول دون تمكن المرأة من نيل حقوقها في اتخاذ القرار، واستقلاليتها في الرأي والتفكير، وممارسة حقوقها بدون أي ضغوط.

ويجب أولاً وأخيراً إيمان المرأة بذاتها وبقدراتها وثقتها بنفسها، وإيمانها بمشروعية حقوقها، وبضرورة إسهامها الفاعل في الشأن العام. نشكركم مجددا على رحابة صدركم وهذه المعلومات التي أثمرت بأن جعلت هذا اللقاء أكثر من رائع ..
شارك هذا البوست
ورشة عمل حول النساء في مراكز القيادة والعمل المؤسسي
ادارت اللقاء الدكتورة انجيلا المعمري