حتى قبل العام 2008، كان عدد الفتيات الملتحقات بمدرسة قرية ورقة، التي تعلم الأطفال في المرحلة الأولى فقط - من الصف الأول حتى السادس- قليلا جدا، بعضهن يكملن المرحلة الابتدائية والبعض تترك المدرسة في الصف الأول والثاني، وفي العام 2009، كان عدد الفتيات في المرحلة الإعدادية يتجاوز ثلاثمائة فتاة، عقب انشاء مدرسة خاصة بالفتيات فضلا عن سنوات طويلة من التوعية والإصرار، أمر يراه على الورقي "مصدر فخر".
ليضيف وهو يشعر بالنشوة "حققنا الحلم وصنعنا تغيير جذري في القرية والقرى المجاورة" مضيفاً بعفوية" مش من السهل ان تغير في مجتمع محافظ ويرى ان التغيير مشكلة".
قرية ورقة تعد ثاني أكبر تجمع سكاني في مديرية ميفعة عنس وتبعد عن مدينة ذمار بنحو 15 كم من جهة الشرق، يقطنها أكثر من خمسة آلاف نسمة، ويوجد فيها ثلاث مدارس إحداهن للإناث، وعدد من المرافق الصحية منها ثلاثة خاصة.
على الورقي واحد من مجموعة من شباب القرية، وهو من الشخصيات الاجتماعية التي تسعى أ لإحداث بعض التغييرات في مجتمعة، فقد كان "مصير الفتيات المجبرات على ترك التعليم بفعل العادات المجتمعية، هو الزواج المبكر، والانخراط في شؤون المنزل، فظاهرة الزواج المبكر كانت حاضرة قبل اندفاع المجتمع نحو تعليم الإناث" قال الورقي، وأوضح ان: نسبة كبيرة جداً من نساء القرية تزوجن في سن مبكر، وقد لا تصدق أن بعض الفتيات تزوجن وهنَّ في سن 12 أو 13 من أعمارهن.
تعليم الفتاة، أنهى تماما "زواج الصغيرات" بل ودفع بالعشرات الى مقاعد الجامعة، وساهمت النهضة التعليمية في تحسين واقع الحياة للمجتمع في مقدمتها الخدمات الصحية التي كانت تفتقر إليها القرية.
وأكد الورقي ان "عملية دفع الفتيات للتعليم بعد انشاء مدرسة خاصة بهن في العام 2009 والتي أطلق عليها "مدرسة الوحدة"، قضت بشكل كبير على ظاهرة الزواج المبكر، وخففت من وطأة المشاكل الأسرية وانخفاض مستوى الفقر في القرية".
يتذكر الورقي الظروف الصعبة التي كانت تمر بها القرية خاصة الفتيات، وتوق المئات منهن لمواصلة التعليم "كانت الفتاة تصل صف سادس وينتهي مشوارها في التعليم، بسبب الظروف الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت والتي تنظر الى مواصلة تعليم الفتاة كـ "عيب"، لكن عددًا من أبناء القرية رفض ذلك الواقع والحقوا بناتهم بمدارس في قرى مجاورة أو في مدارس داخل مدينة ذمار".
لم يكن من السهل تعليم الفتيات في القرية، ويروي الورقي بعض معاناة البعض في تعليم بناتهم خارج القرية، وقال: كان بعض الفتيات من القرية يقطعن مسافة تصل إلى (5 كم) للدراسة في مدرسة تجمع الجرشة ويتم نقل بعضهن بالسيارات وأخريات يقطعنَّ تلك المسافة على الأقدام، وتكللت تلك الجهود في تأسيس مدرسة مكونة من سته فصول يتم فيها تدريس الفتيات من الصف الأول وحتى السادس ولاحقاً تم إضافة فصول جديدة وفتح مستويات أخرى حتى الصف الثالث الثانوي".
عندما تأسست مدرسة الوحدة عبر مشروع الأشغال العامة - جهة حكومية - كانت ستة فصول دراسية، ثم أضيف إليها تسعة فصول آخرين في العام 2016، عبر الصندوق الاجتماعي للتنمية - جهة شبة حكومية - وحشد المجتمع طاقته لإيجاد معلمات، لتبدأ الخطوة الأولى في تعيين فتيات يمتلكن مؤهلات جامعية من نساء القرية - أغلبهن فتيات من خارج القرية تزوجن بشباب من أبناء القرية – في وظيفة "معلمات متطوعات"، والخطوة التالية استقدام معلمات من مدينة ذمار بالتعاون مع مكتب التربية والتعليم بمديرية ميفعة عنس، وتوفير وسيلة موصلة يومية للمعلمات، من عائدات المساهمة المجتمعية. وحالياً، المعلمات والعاملات في المدرسة، هن من مخرجات المدرسة.
ويعرج على الورقي الذي تخرج من كلية التربية بجامعة ذمار، الى الأثر الذي بات موجود، وقال" نحو 600 فتاة يدرسن في مدرسة الوحدة، عدد الملتحقات في المرحلة الثانوية فقط يتجاوز أربعين فتاة، تسعى معظمهن لمواصلة التعليم والذهاب إلى الجامعة.
نظر الى الفضاء المفتوح بالقرب من منزله بمدينة ذمار، وقال: تخيل ان يحصل تغيير بهذا الشكل وبات من الطبيعي الان ان تجد الفتاة طريقها الى المستقبل، بعد ان كانت محاصرة من العادات والتقاليد التي ترى ان تعليم الفتاة "عيب".
انخراط الفتاة في التعليم مثلها مثل شقيقها الولد، صنع بيئة قروية جيدة، وعزز التماسك بين أبناء المجتمع، ورمى الكثير من أبناء المجتمع الخلافات التي كانت تعج بها القرية خلف ظهورهم. ويجزم الورقي ان "تعليم الفتاة أنتج لنا وعي مجتمعي هائل، يبدأ من الأسرة وينتهي في المحيط المجتمع".
ويستطرد بالقول: كان وجود ممرضة او طبية في القرية بالنسبة للنساء والرجال على حد سواء حلم، الان وبفضل التعليم يوجد في قرية ورقة ثلاثة مراكز صحية صغيرة وأكثر من أربع ممرضات وسبع قابلات تلقين تعليم أكاديمي.
اليوم قرية "ورقة" تعج بالفتيات المتعلمات ونحو 40 فتاة حصلن على درجة البكالوريوس في تخصصات متعدد منها: الطب، المختبرات، الصيدلة، الرياضيات، الإنجليزي، العلوم، وغيرها الكثير.
تلك النهضة التعليمية صححت الكثير من المفاهيم المجتمعية، ويحكي "الورقي" موقف بعض أولياء الأمور الذين كانوا يعارضون إكمال بناتهم للصف السابع. وقال: اليوم يدفعون بفتياتهم الصغيرات للانخراط في برنامج الماجستير بعد حصولهن على البكالوريوس بدرجة ممتازة.
"الإقناع الفردي في المحيط والأحاديث المستمرة في المجالس والمقايل، واستحضار الشواهد الدينية في القرآن والسنة النبوية"، استراتيجية استخدمها على الوقي وأصدقائه، في إقناع المجتمع، ساهم وجود محيط ديني يتقبل "تعليم الفتاة" في اكساب فكرة فتح مدرسة في القرية قابلية التنفيذ. وقال: كان في القرية أمام مسجد متزوج من امرأة متعلمة حاصلة على درجة البكالوريوس، فكنا نستشهد به في الحديث عن "تعليم الفتاة خاصة انه يحظى باحترام وتقدير كل أبناء القرية، ومع الوقت بدأ المجتمع يشعر بأهمية فتح مدرسة أساسية للفتيات، وعند فتحها كانت الأصوات المعارضة قليلة جدا ولم تصنع تأثير.
محمد علي الصوفي والذي كان يشغل منصب نائب مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية ميفعة عنس بالإضافة إلى إدارة قسم تعليم الفتاة، أوضح "أن مجلس أولياء الأمور وبعض الشخصيات الاجتماعية في قرية ورقة كان لهم دور إيجابي في ايجاد مدرسة للإناث ، رغم وجود معارضة من داخل القرية لتعليم الفتيات ،". مشيراً الى التعاون بين المجتمع والسلطات التعليمية في المنطقة أدى الى " إيجاد معلمات ومتطوعات من القرية حتى أصبحت مؤنثه بالكامل والتعاقد مع معلمات من مدينة ذمار قام الأهالي بتوفير وسيلة مواصلات لهن وتخصيص رواتب شهرية كانت تقدم من المساهمات المجتمعية".
واستدرك في حديثه "تغير الوضع كثيراً وباتت نسبة الطالبات تتفاوت بين 40 و60 في المائة من إجمالي الطلاب في مدارس مديرية ميفعة عنس، بل وفي بعض المناطق أعداد الفتيات يتفوق على أعداد الذكور". حد تأكيد الصوفي.
في المشاركة