في زوايا (المكلا) المدينة الساحلية الهادئة حاضرة محافظة حضرموت، كانت حكايا صاخبة للمرأة انتصار باشعيبان تروي فصولها في 19 عاماً من العمل (الطَموح) في جمعية (الطُموح)، تحكي صباحات جابت فيها شوارع المدينة بحثاً، وهي التي تعاني من إعاقة حركية، لم تسلبها الإرادة والمضي قدماً نحو تحقيق عدالة للمعاقات حركياً، ورفض أي تهميش يطال فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من الإناث .
التحقت انتصار عبد الله باشعيبان بجمعية تأهيل المعاقين حركياً عام 2001 بعد تشجيع من جار لها معاق هو الآخر، في البداية رفضت الفكرة لكنه استطاع اقناعها في النهاية، فبعد وفاة والدها لم تستطع انتصار اكمال تعليمها الأساسي، في تلك الفترة كان هناك ثمانية إخوة آخرون لها يحتاجون لمصاريف تعليمية فقررت هي وأخواتها الكبار أن يتنازلن عن التعليم من أجل إعطاء فرصة لإخوتهم الصغار فلم تكن للعائلة القدرة على تعليم الجميع.
المحارِبة الجندرية
رأت انتصار أن المعاقات من النساء مهمشات فلا توجد أي أنشطة ومشاريع تستهدف المعاقات فجل الاهتمام يكون منصباً على الرجال، فلما جاء وقت الانتخابات للجمعية تحدت انتصار نفسها للدخول ضمن الهيئة الإدارية فنالت عضوية الرقابة والتفتيش، ثم في الدورة الانتخابية التي تليها ترشحت لمنصب الأمين العام بالجمعية ونجحت في الحصول عليه فأقتربت بذلك من دائرة صنع القرار وباتت تعرف الكثير عما يجري داخل الجمعية.
في الوصول لمنصب الأمين العام، بات كل شيء مكشوفاً بالنسبة لها وفهمت مجريات الأمور، فقررت أن يكون للمرأة المعاقة كيان خاص بها بعيداً عن السلطة الذكورية.
وتضيف موضحة : " الفجوة الاجتماعية موضوع مهم، ولكن في ذلك الوقت قبل ١٩ عاما لا يوجد وعي بأهمية اشراك المرأة في الحياة العامة فما بالك إن كانت تلك المرأة معاقة ! ".
في ذلك اليوم جمعت انتصار الفتيات وأخبرتهن بضرورة العمل على ايجاد جمعية لهن، , الأمر الذي وافقن عليه جميعا على الفور، لكن السؤال الذي طُرح آنذاك كيف نبدأ.. ومن أين؟
الجهود الميمونة
ذهبت انتصار لزيارة مقر مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل وأخبرتهم بفكرتها إنشاء جمعية خاصة لرعاية المعاقات حركياً وتأهيلهن، فطلبوا منها البحث عن مكان وداعم للجمعية، فأخذت تخرج كل يوم صباحاً هي وصديقتها نحو تحقيق الهدف، لتبحثا عن داعم بين المحسنين للفكرة الوليدة، وعن مكان يُتَخذ لاحقاً مقراً للجمعية، وتُوجت تلك المحاولات بالنجاح واستطاعت انتصار أن تؤسس جمعية الإيمان لرعاية وتأهيل المعاقات حركياً التي اتخذت فيما بعد اسم جمعية (الطموح) لرعاية وتأهيل المعاقات حركياً.
عزيزي/تي القارئ/ئة ، لابد أنك تظن الآن أن انتصار أسست الجمعية واستتب الأمر لها بكل هدوء، وفرشت الأرض لها بالورود، إن كنت/تِ ظننت/تِ ذلك فقد جانبتما الصواب هذه المرة!
تعبت انتصار كثيراً في السنتين الأولى من بداية التأسيس حيث اضطرت للعمل في مقرها الجديد بدون أي ميزانية تشغيلية وبجهود ذاتية، حتى تم دعمها من قبل صندوق رعاية المعاقين في صنعاء بنفقات تشغيلية كاملة مع أنشطة الجمعية ومنذ ذلك الوقت وحتى 2015 كانت الجمعية تعمل بشكل جيد وتقوم بدورها في تمكين المعاقات حركيا.
العودة إلى الصفر
جاءت الحرب في ٢٠١٥ وتوقف كل شي بسبب الحرب ، وتوقفت الجمعية عن العمل بتوقف الدعم المقدم لها من صنعاء، ولم تستطع الجمعية دفع ايجار المقر، فقام المالك بطردهم وتخريب أثاث الجمعية ورميه خارجاً، وحاولت انتصار هي وزميلاتها من عضوات الهيئة الإدارية للجمعية الحفاظ على ما تبقى من الأثاث ولم يجدوا غير المدارس ليحفظوه فيها ريثما يتمكنوا من إيجاد مقر جديد .
تقول انتصار وهي تصف تلك الأيام: " كنا نداوم في الباص كل صباح، حيث نخرج للبحث عن داعم أو مكان يستقبلنا للعمل فيه ولو لفترة محدودة ".
وكانت اللجنة الوطنية للمرأة هي المنقذ هذه المرة ، حيث تظل انتصار تذكر هذا الجميل للجنة ولرئيستها في المكلا تقول: " لن ننساها حيث اعطت لنا غرفتين في مقر اللجنة لكي يكون مقراً لنا وداومنا فيه قرابة الستة أشهر، ولم نتخل عن البحث عن داعم جديد لنا خلال تلك الفترة ".
وابتسم الحظ لانتصار وعضوات جمعيتها من جديد ، واستطاعوا إيجاد ممول للجمعية، هذه المرة كان فاعل خير أُعجب بعمل الجمعية في تمكين فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة، الحلقة الأضعف في المجتمع، النساء!
مدرسة الطموح
في 2006 كانت الجمعية تمتلك روضة خاصة، تقدم متطلبات البيئة الآمنة للمعاقات حركياً، وظل هاجس توسعة الروضة لتكون مدرسة يراود انتصار فقد كانت على تواصل بمعاقات تسربن من الدراسة في المدارس العمومية بسبب تعرضهن للتنمر من قبل الطلبة وأحيانا من المعلمين أنفسهم!
وبعد تكفل فاعل الخير بأنشطة الجمعية عرضت عليه انتصار الفكرة فوافق من فوره لتبدأ في 2016 أولى السنوات الدراسية بتصريح من وزارة التربية والتعليم وتوسعت مع الأيام والسنوات من المرحلة التمهيدية إلى نهاية المرحلة الإعدادية (الصف التاسع) وتم دعم المدرسة بالكتب الدراسية والكراسي والعكازات، واستطاعت انتصار هي وصديقتها اقناع الكثير من أولياء الأمور بتدريس بناتهم وفعلاً أكملوا ووصلوا للمرحلة الثانوية ، واليوم تعج مدرسة الطموح بمائة (100 ) طالبة يتوزعن على كافة الصفوف الدراسية.
(نور بازهير ) وهي إحدى الطالبات اللواتي التحقن بمدرسة الطموح تقول انها تسربت من المدرسة العمومية بسبب أنها لا تمتلك المواصلات التي توصلها للمدرسة. تمكنت نور من الانضمام للجمعية واستفادت من برامجها وأنشطتها حيث حصلت على العديد من دورات الخياطة التي مكنتها من فتح مشروع خاص بها كخياطة تقول نور: " الفضل يعود بعد الله للأستاذة انتصار وللجمعية، حيث أكملت ايضاً تعليمي الذي لم أستطع اكماله في المدرسة العمومية نظراً لحالتي الصحية ".
أما ( أمل الحبشي ) عضوة الجمعية فقد كانت لديها مواهب في الرسم والأعمال اليدوية، شرحت لنا كيف كانت تأخذ حقائب أخواتها الممزقة لتصنع منها مقلميات (حقائب صغيرة لحفظ الأقلام) ومحافظ (حقائب لحفظ النقود) تقول: " لم أتوقع أن تتاح لي فرصة التدريب على عمل الحقائب، فهي شغفي، لكن الجمعية جعلت ذلك واقعاً ملموساً ".
وتضيف: " على المجتمع أن يعي بأن هناك معاقات لديهن قدرات ومهارات في تعلم أي شيء وإن الإعاقة ليست في الجسم، بل في الذهن ".
وتقول انتصار في معرض الحديث عن النشاط الذي نفذته في الجمعية للطالبات في صناعة الحقائب: " سيكون هناك معرض شهر سبتمبر القادم خاص بالحقائب المنتجة بأيدي طالباتنا وسوف نقوم قريبا بافتتاح معمل لإنتاج الحقائب في الجمعية " .
وتظل انتصار تكتب (انتصارات) نجاحها في تخطي حاجز الإعاقة فبعد تأسيس الجمعية أكملت تعليمها الذي انقطعت عنه وأخذت الثانوية من المعهد التجاري ثم شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال مستمرة في عملها من أجل فرص وحقوق متساوية للنساء والفتيات ذوي الاحتياجات الخاصة.
في المشاركة