من إنسانة بسيطة إلى سيدة أعمال مؤثرة.. ترى من هي شادية العراسي؟
سماح عملاق

لم تكن "قرية البلد" سوى واحدة من أكثر المناطق فقرًا واحتياجًا لأبسط مقومات الحياة، حيث لا يزيد فيها مستوى الدخل اليومي لأغلب الأسر عن 6 آلاف ريال يوميًا، ما يعادل "10$" ، وقت كتابة التقرير حسب مصادر محلية هناك.
كان الحلم الأكبر للعديد من الفتيات اللائي يعشن في قرية البلد هو الحصول على شهادة التعليم الأساسي  دون جدوى؛ فالمدرسة الوحيدة في قرية البلد -عزلة عراس في مديرية يريم شمال محافظة إب- كانت مختلطة، , وعادة ما يرفض أولياء الأمور السماح لبناتهم بالتعليم في مدرسة مختلطة؛ ونتيجة لذلك حرمت معظم الفتيات في القرية من إكمال التعليم. وفي الكفة الأخرى، أمراضٌ تستفحل دون رادع في معظم منازل القرية بلا منقذ.

الخطوة الأولى هي بناء الذات.

 
تحلم الكثير من النساء بتغيير حياتهن على المستوى شخصي، لكن شادية عملت على تغيير حياة المجتمع بأكمله.
 
شادية البالغة من العمر 55 عامًا وجدت نفسها في مواجهة مع العديد من الصعاب والتحديات طوال فترة حياتها، ابتداء من  زواجها المبكر وهي في الثانية عشرة من عمرها، وتركها للمدرسة في الصف السابع قسرًا قبل زواجها المبكر بأيام قليلة. وجدت شادية نفسها مسئولة عن أسرتها المكونة من خمس فتيات و ولد ، يسكنون في منطقة ريفية تفتقر إلى فرص العمل والخدمات الأساسية.

و على الرغم من ذلك فجميع تللك العقبات لم تكن مجرد تحديات فقط في حياة شادية بل أصبحت دوافع جعلتها تمضي قدمًا لتصنع لها سيرةً من ذهب في قلوب سكان قريتها.
 
من "مؤسسة خديجة" بدأت رحلة التغيير في حياة شادية، حيث انضمت إلى دروس الخياطة والتطريز وحصلت على قرض لشراء ماكينة خياطة.
 تحكي شادية عن دوافعها نحو التغيير لمراسلتنا قائلةً:" "كوني محرومة من التعليم، فإن حاجتي لكسب المال من أجل تعليم أطفالي وتوفير سبل العيش لهم هو ما يحفزني على الاستمرار والنضال من أجل حقي في الدراسة والعمل"
 

كان التحدي الأول الذي واجهته شادية هو تحقيق التوازن بين الاحتياجات العاجلة لأسرتها والحاجة إلى الركض بعد تعليمها وتحسين العمل.
 
على الرغم من رفض عائلتها ومجتمعها السماح لها بالدراسة والعمل، نجحت شادية في إقناع عائلتها بقدرة المرأة على الدراسة والعمل مع الالتزام بجميع قيم المجتمع. كان على شادية أن تخوض حديثاً طويلاً، ونقاشات عديدة  ، بالإضافة الى ضرب الأمثلة وإعطاء الشواهد لإقناع عائلتها بالسماح لها بالعمل. كما طلبت الدعم من الأشخاص الأكثر حكمة في الأسرة لإقناع أولئك الذين ما زالوا لا يرون أي فائدة في تعليم المرأة وعملها.
 
"لقد حاولت أن أوضح للمجتمع أهمية تعليم المرأة وعملها ومشاركتها في الحياة كأداة لحماية الأسرة".

 تأسيس جمعية نسائية
 
ساهم تلقي الأموال من مهنتها في تحسين وضع عائلة شادية، الأمر الذي ملأها بالعزم على نقل تجربتها إلى النساء في المجتمعات الريفية من حولها اللائي يحتجن إلى التمكين الاقتصادي.  من خلال جمعية الزهراء التي سعت لتأسيسها.
 
شكلت جمعية الزهراء حجر الزاوية في المشاريع التعليمية التي مكنت معظم النساء في المنطقة اقتصاديا من خلال تدريبهن على الحرف اليدوية المدرة للدخل.
 
"رغبتي في تغيير وضع المرأة في المجتمع للأفضل كان من العوامل التي دفعتني إلى الأمام طوال الوقت."

مدرسة للبنات
 أما مشروع مدرسة البنات، فقد رأت شادية أنه كان مطلبًا اجتماعيًا من الأمهات في القرية، حيث طالبن بضرورة إكمال الفتيات لتعليمهن مثل الأولاد، فقد لاحظت شادية نسبة التسرب الكبيرة للبنات من التعليم بفعل رفض الأهالي إلحاق بناتهم بالمدارس المشتركة مع البنين، ما جعل إدارة جمعية الزهراء تخاطب الأعيان ومكتب التربية بضرورة بناء مدرسة مستقلة للبنات في المنطقة.

مركز صحي في القرية
 
كانت النساء في القرية يواجهن الكثير من المصاعب أثناء الحمل والولادة ورعاية الأطفال والإنفاق المضاعف على الخدمات الصحية في المدينة. قرّرَت شادية بأن يكون لجمعيتها دور في تذليل العقبات الصحية لسكان ريف عراس، وتم إنشاء أول وحدة صحية في المديرية بمتابعة شادية الحثيثة لإقامة هذا المشروع.

ساهمت شادية في تغيير الحياة الصحية والتعليمية والاقتصادية لمئات العائلات في مجتمعها.  تحسن الوضع الصحي كثيرا بعد إنشائها للمركز الصحي في المنطقة، كما زادت نسبة الفتيات الملتحقات بالدراسة بعد إنشاء مدرسة البنات، كما تم في تدريب وتأهيل العديد من النساء من خلال مركز الأسر المنتجة وجمعية الزهراء مما وفر العديد من فرص العمل للنساء وساهم في تحسين سبل العيش في القرية.
 
و كانت النتيجة أن  يدفع العديد من أولياء الأمور  اليوم بناتهم نحو المدرسة ونسائهم وأطفالهم إلى المركز الصحي و يشجعون النساء على اكتساب المهارات الحياتية لتعزيز التمكين الاقتصادي.

مبادرات لتمكين المرأة اقتصاديا
 
 عملت شادية على المطالبة  بحق المرأة في العمل كما تقود مبادرات لدعم توفير الأراضي لإنشاء مشاريع تنموية نسائية. وقد ساعدها كونها نموذجًا إيجابيًا للمرأة الحاسمة والقوية والناجحة في المنطقة على اكتساب تقدير وثقة الأشخاص المحيطين بها لدعم مشاريع المرأة.
 
أقنعَت شادية أيضًا القادة المحليين بأن مشاركة المرأة في حل قضايا المجتمع سوف يسهم في إحلال السلام والأمن المجتمعيين،
 
وساهمت هذه الأنشطة التي يسرتها شادية في حل وتسوية النزاعات الاجتماعية والتعليمية والتنموية وإرساء وتعزيز أسس السلام والأمن والاستقرار.
 
 
توضح شادية أهمية بناء السلام وفض النزاعات على التنمية في المنطقة قائلة " تحتاج أغلب المشاريع التنموية في بلادنا إلى عملية بناء السلام، ومهارة فائقة في فض النزاعات، حيث تسود الخلافات بين أفراد المجتمع حول موقع وقيمة المشاريع وأماكن التدخلات لهذه المشاريع، لكني قمت بدراسة هذه الاعتراضات بدقة وفنّدتُها عمليًا للوصول بالآراء المختلفة للأشخاص إلى نقطة اتفاق تجعلهم سندًا وعونًا لنا و للمشاريع بما يحقق المصلحة العامة".

شارك هذا البوست
انتصار باشعيبان : عن تحقيق المساواة الجندرية.. للمعاقات حركياً  !
فاطمة باوزير / المكلا