الوعي مفتاح الإنصاف في اليمن
إصلاح صالح

تعيش المرأة اليمنيّة في مجتمع يتقن غالبيته صناعة القيود التي تحجّم دورها وتعزز عزلتها دون اعتبار للقوانين التي تنص على حقوقها. حقوق المرأة اليمنيّة التي من المفروض أن يلتزم الجميع بالإيفاء بها ليس فقط من باب المساواة، بل كاعتراف بالشراكة المجتمعية، باتت تؤخذ وفقًا للتأويلات التي يذهب إليها جزء من المجتمع، وتفسّر حَسَبَ ما يراه العُرف وتقتضيه العادات.

في ظل كل هذه التحديات، تحاول المرأة اليمنية إثبات نفسها، ومواجهة ما يقف في وجهها من أجل تحقيق الإنصاف والمساواة. التقينا في هذا الحوار بسرّاء عبد الرحمن الشريك المؤسس في منصة "بن كاست" المختصة بتوثيق صوت اليمن، لتحكي لنا تجربتها المحفوفة بالكثير من التحديات المهمة والملهمة.


منصة أصوات نساء يمنيّات: بداية، ما رأيكِ في اللامساواة باليمن؟ وكيف تلمسين ذلك في حياتكِ المهنية؟ 

سرّاء عبد الرحمن: نسبة كبيرة من مجتمعنا اليمني لا تدرك معنى اللامساواة، بل الكثير لا يعي حقوقه حتى يعرف أنه لا يحصل عليها بالشكل الصحيح، أو هناك لا مساواة بين طرف وآخر سواء في المقارنة بين رجل وامرأة أو حتى بين اختلاف الفئات الفكرية والاجتماعية. برأيي الموضوع يحتاج ناس واعية بحقوقها لكي تطالب بالمساواة. 

أيضًا، أعتبر نفسي جزءاً من قلة قليلة في مجتمعنا اليمني الذين يملكون أصولاً لموارد تعليمية، كما أن البيئة المحيطة بي تجعلني أنظر لهذه المواضيع بشكل مختلف، ولكني لا أمثل كل النساء فظروفهن مختلفة.  

ما أردت قوله: أن من حولي كانت نظرتهم للمساواة نظرة معتدلة؛ لذا لم أُعانِ في حياتي المهنية، اللامساواة التي أعانيها كيمنية يعاني منها المجتمع ككل في الفرص المتاحة له مقارنة بالمجتمعات الأخرى. 


منصة أصوات نساء يمنيّات: هل ترين أن هناك إنصافاً ومساواة في التعامل مع النساء والرجال في مجال عملك؟ مثلًا، في الفرص والمستحقات. 

سرّاء عبد الرحمن: المجتمع الثقافي الذي أعمل فيه جميعهم واعيين في تعاملهم ولأي درجة يجب أن تكون المساواة بين الرجل والمرأة، وبالتالي لا أواجه مشاكل كبيرة. هناك تصادم يحصل مع المجتمع حول طريقة اختياري للتعبير عن نفسي عند مشاركتي بأشياء معينة في سفري، واحتكاكي بالشباب، خصوصًا أنني عازبة. هذا وضع تمر به كل النساء. لا أستطيع القول إن هذه الأشياء تؤثر في الجوانب المهنية بقدر ما هي صدام مجتمعي في المعتقدات والأفكار. أما من ناحية المساواة في الحصول على الفرص والمستحقات بالعكس حتى في بيئة عملي دور النساء ملموس وأغلب المناصب الإدارية فيها سيدات. 

لا نجد فرصاً للنساء في
أعمال ميدانية. 


منصة أصوات نساء يمنيّات: هل وصلت المرأة لمستويات إدارية مثلها مثل الرجل؟ 

سرّاء عبد الرحمن: في إطار عملي وما أراه أقول نعم وصلت وأثبتت نفسها أيضًا، لكن ذلك لا يزال مقتصراً على قطاعات إدارية ومكتبية. أتذكر أني درست في مدرسة بصنعاء، وكانت مديرتها امرأة من أكفأ الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي. منذ الصغر وأنا أرى أمثلة لنساء تقلدن مناصب إدارية، وأثبتن أنفسهن بشكل جيد. بالمقابل، لا نجد فرصاً للنساء في أعمال ميدانية أو لها عَلاقة ببعض القطاعات المحصورة على الرجل. 

منصة أصوات نساء يمنيّات: برأيك، ماذا يجب أن يتغير للوصول إلى المساواة؟ 

سرّاء عبد الرحمن: على مستوى واسع نحتاج إلى التوعية التي تعزز لدى المرأة فهمها لحقوقها ومعرفتها لدرجة المساواة في مستواها الطبيعي الملائم. وهذا لا يحصل إلا بتغيير يشمل مناهج تعليمية، وطرق تعامل، وبنى تحتية. على المستوى الفردي يجب ألا نتوقف عن النصح والتوعية. 

تحرك النساء بات أكثر صعوبة.


منصة أصوات نساء يمنيّات: هل تواجه المرأة صعوبات في وصولها لهذه المستويات؟ 

سرّاء عبد الرحمن: نعم، تواجه رفضاً من المجتمع، أنا على مستوى العمر الذي وصلت له والعمل والنجاح والإنجازات التي حققتها، وحولي بيئة جيدة استفيد منها عمليًا. رغم كل ذلك، ما زلت كل فترة وفترة أسمع كلام أن 'هذه كل حياتها في العمل، ولم تكوّن أسرة حتى الآن'.  

النساء اللواتي يقضين فترة أطول في مجال العمل، ويبتعدن عن الحياة الاجتماعية يتعرضن لانتقادات مجتمعية لاذعة. هناك تحديات تواجه النساء في مقرات عملهن مهما حاولن أن يثبتن أنفسهن، فالتغيرات والفروق البيولوجية الموجودة يتم قولبتها حول المرأة. 

منصة أصوات نساء يمنيّات: هل أتيحت للمرأة فرص في التدريب والتأهيل؟ 

سرّاء عبد الرحمن: لا أتحدث على لسان نساء اليمن كلهن لأني أعلم أن نسبة كبيرة لا يعشن ذات الظروف التي أعيشها ولا البيئة المحيطة بي، ولا يحصلن على ذات الفرص التي أحصل عليها. الفرص حولي موجهة للنساء أكثر من الرجال بالذات في صناعة الأفلام والمحتوى. مؤخرًا كان هناك تركيز على بناء قدرات النساء في هذا المجال. لكن لو نظرنا إلى قطاعات أخرى داخل اليمن فأكيد أن الفرص لن تكون بهذا المقدار للنساء وحتى وإن وُجدت الفرصة يتم منع النساء من الحصول عليها. 


مؤخرًا يوجد تشديد على سفر النساء، وصلنا لمرحلة أن هناك فرص تدريب وتأهيل في محافظات وأماكن أخرى، لكن تحرك النساء بات أكثر صعوبة في المحافظات الشمالية، حتى الخوض في هذه التجارب أو النشر عليها يواجه بصد ورفض من المجتمع. 

لا توجد على أرض الواقع معاهد
أو جامعات تواكب هذا التطور.


منصة أصوات نساء يمنيّات: كيف ساعدتك التكنولوجيا والتطور المعرفي في تطوير مجال عملها؟ 

سرّاء عبد الرحمن: نحن الآن نعمل في مجال الإعلام، ونعتمد بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة ما يحدث في العالم، وفي القطاعات المشابهة لعملنا. لذا لزم أن نكون دائمًا جزءاً من العالم التكنولوجي ونواكب التقنيات الجديدة في طرق النشر. هنا نتعمد أن تكون جزءاً من ورش عمل أو تدريبات عن طريق الإنترنت، فلا توجد على أرض الواقع معاهد أو جامعات تواكب هذا التطور. 

منصة أصوات نساء يمنيّات: هل استطاعت النساء إيصال أصواتهن وإبداعاتهن بفضل التكنولوجيا؟ ما العوائق التي وقفت أمام بعضهن؟ 

سرّاء عبد الرحمن: لا، فالكثير منهن لا يملكن المهارات الكافية للتعامل مع التكنولوجيا سواء من حيث حصولهن على المعدات اللازمة والوصول للإنترنت، أو من ناحية التواصل مع العالم الخارجي بشكل صحيح. وأنا من النساء اللواتي وصلن إلى دورات تعليمية، لكن لو سنتحدث عن النساء اليمنيات يظل الوصول جدًا قاصر.  

لا بد من التعليم وغرس المفاهيم
الصحيحة، وأن الفتاة تكبر وهي مؤمنة
 بفكرة المساواة ومؤمنة بها
كحق لنفسها. 


هناك افتقار نسائي للمهارات التي تقدمهن بشكل جيد للحصول على فرص ومنح تدريبية كالتعامل مع الإيميل وإعداد ملف شخصي مناسب.  

شيء آخر، أغلب المصورات المتواجدات في سوق العمل هن مختصات بتصوير الأعراس، بينما في مجال صناعة الأفلام نجد أن عددهن أقل والسبب أنه لا توجد معاهد تدرب على المهارات ذات الصلة بالتصوير والمونتاج وصناعة الأفلام. غياب ذلك يجعل الطريقة الوحيدة رمي نفسك في سوق العمل والتعلم مع الأشخاص العاملين في شركات الإنتاج. 

منصة أصوات نساء يمنيّات: هل من حلول ملائمة لتحقيق المساواة والقضاء على أشكال التمييز خاصة في الحياة المهنية؟ 

سرّاء عبد الرحمن: لا بد من مواصلة إتاحة الفرص للنساء. أنا أؤمن أن الفرص المتاحة لهن الآن لبناء مهاراتهن في مجالات معينة تظل مقتصرة على شريحة متقبلة فكرة أن المرأة تتعلم وتتأهل. إذا أردنا توسيع النطاق لا بد من التعليم وغرس المفاهيم الصحيحة، وأن الفتاة تكبر وهي مؤمنة بفكرة المساواة ومؤمنة بها كحق لنفسها. 

أنا أؤكد أن معرفة النساء بحقوقهن في المساواة هي الأداة الفعّالة التي تجعلها تحقق المساواة بشكل عام. هذه الأشياء فرديًا لا نستطيع القيام بها، لكن على الأقل يجب أن نبقى مؤمنين بوجودها. طالما هي مغروسة في الأفراد، ستنتشر من الأم لبناتها، ومن البنت لصديقاتها، ومن المديرة للموظفات لديها. 

كل الصورة شخصية للسرّاء عبد الرحمن. 


شارك هذا البوست
الترافع وحل النزاعات حبّا للعدالة والإنصاف
صقر أبو حسن