السعي لتطبيق العدالة: رحلة ملهمة من خريجة قانون إلى محققة  في اليمن
فاطمة باوزير

في زاوية مكتبها، تجلس فتاة هادئة الطباع، تتعامل مع محيطها بكل لين ومودة، تلوذ بنفسها إلى دفتر الملاحظات الخاص بها؛ لتكتب بعض النقاط المهمة حول القضية التي استلمتها للتو وأصبحت مسؤولة عنها في الأيام القادمة.

إنها تترجم إرادتها التي اتخذت قرارها في لحظة من لحظات حياتها، عندما أرادت (صفاء نادر  *)، (٣٠) عاماً، وخريجة كلية القانون بجامعة حضرموت، أن تخالف توقعات الجميع، وتختار عملاً يصنف على أنه صعب وشائك في السلك العسكري، إذ تعمل حالياً محققة في إدارة مكافحة المخدرات، في البحث الجنائي بساحل حضرموت. كانت تدرك أن هذا العمل سيكون صعباً، وأنها ستواجه الكثير من التحديات، لكنها صممت على النجاح، كما تقول.

 

بداية ونجاح

بدأت في التدريب، وتعلمت كل ما يمكن أن تتعلمه في دورات متتابعة، كان لديها حلم واحد، وهو أن تجعل المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، مكاناً أفضل، بعيداً عن شبح المخدرات والجرائم التي تنجم عنها.

تقول (صفاء): " بدأت العمل في إدارة مكافحة المخدرات كمحققة للقسم النسائي، وأنا في الجامعة، حيث اتصلت بي صديقة تخبرني عن توفر فرصة عمل للقانونيات في إدارة البحث الجنائي، ومن حسن حظي أننا كنا ندرس في تلك السنة مادة تحقيقات وأدلة جنائية، فاستشرت أساتذتي في الجامعة وكان فيهم القضاة والمحامون فشجعوني على خوض هذه التجربة".

وعن الصعوبات التي واجهتها في بداية العمل ، تذكر  (صفاءأنها حين بدأت العمل كانت البلاد على (كف عفريت) حد تعبيرها، فقد تحررت المكلا من الجماعات الإرهابية للتو، وكان الجميع متخوفاً من الانتقامات التي قد تحصل للعاملين في السلك الأمني والعسكري آنذاك، وبوصفها محققة تذكر أن أول قضية استلمتها كانت مع امرأة ضبطت متلبسة ببيع وتصنيع الخمور، حتى أنها تعرضت لتهديدات من قبلها لكن (صفاء) تخبرنا أن هذا العمل جعلها تكتسب الصرامة والقوة في مواجهة التحديات والتهديدات وأنها جزء أصيل من المجتمع وهذا دافع كافٍ للعمل على حمايته بكل الطرق.

 

رهان فاشل

راهن الجميع على فشلها وأنها لن تكمل في هذا العمل سنة واحدة، منهم أناس في محيطها الأسري، لكنها فاجأت الجميع باستمرارها في عملها، وهي اليوم تدخل العام العاشر مذ التحاقها بالعمل، ولولا نجاحها لما استمرت، كما تقول.

تحكي (صفاء) عن بدايتها وتربطها بما حققته إلى الآن، قائلة: "كان للضابط الذي دربنا الفضل في تذليل الصعوبات التي واجهتنا في أول أيام عملنا، والآن وبعد قرابة عشر سنوات من ممارسة العمل كمحققة في إدارة مكافحة المخدرات أستطيع القول بأني أصبحت أجيد قواعد العمل، ومع ذلك لم أتخلّ عن إنسانيتي أبداً أثناء عملي، أصبحت أكثر خبرة واحترافية في إدارة جلسات التحقيق دون المساس بحقوق الإنسان وكرامته.

وبلكنة امتنانية، تضيف: "إن وجود محققات في إدارة مكافحة المخدرات يعكس توجهات السلطات المحلية بمحافظة حضرموت لإيجاد توازن في ميزان القوة والسلطة بين المرأة والرجل في السلك العسكري، فهي تعمل مع زميلاتها الأخريات جنباً إلى جنب مع زملائها من المحققين في تناغم لأجل مصلحة العمل، وهو ما يعكس وعياً متنامياً بضرورة إيجاد توازن جندري في مواقع صنع القرار والهياكل الثقافية للمجتمع اليمني بشكل عام"، حسب قولها.

 

دور قيادي ملموس

عن الدور القيادي للنساء والعمل الجماعي تنقل تقارير و مدونات البنك الدولي آراء حول قيادة التغيير نحو تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، توضح التقارير أن البلدان تُحقِّق تقدماً حينما تتم معالجة علاقات القوة والنفوذ في مختلف المؤسسات والجهات الفاعلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحينما تصاحب الإصلاحاتِ في المؤسسات الرسمية تحوُّلاتٌ في الأعراف الاجتماعية وأساليب التفكير الجماعي. إذ توجد لدى مجموعة البنك الدولي قاعدة شواهد وأدلة على مدى السنوات العشر الماضية، توضح التأثير الإيجابي الذي طال العديد من المجتمعات.

(صفاء ) وبالرغم من عدم استلامها لراتبها لأكثر من أربعة أشهر كغيرها من العسكريين، مازالت متمسكة بعملها الذي أصبح عبئاً اقتصادياً بالنسبة لها ولزميلاتها الأخريات في العمل.

(صفاء) التي أحبت المكلا وطالما كانت جزءًا من منظومة الأمن الذي تتمتع به محافظة حضرموت مقارنة ببقية المحافظات التي أنهكتها الحرب، أصبحت وزميلاتها مصدر إلهام لخريجات كلية القانون حيث يتواصل العديد معها للحصول على عمل في هذه الإدارة التي كانت حكراً على الرجال ذات يوم، وللحصول على نصائحها والاستفادة من خبرتها العملية، ما يعكس تغييراً في تفكير المجتمع، نحو تمكين المرأة والإيمان بقدراتها وإمكانياتها، وهو الذي بات ضرورة ملحة، اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وحتى عسكرياً، في بيئة يعدها البعض محاربة للمرأة وغير مرنة مع احتياجات النساء ومتطلباتهن.

* تم تغيير الاسم لحفظ خصوصية و احترام لرغبة الشخصية

شارك هذا البوست
الريفيات في اليمن.. الموت ولا الطبيب!
إصلاح صالح