اليمن من أفقر دول العالم التي يعاني من حالة غير مستقرة على مختلف المستويات خاصة اقتصاديًا منذ العام 2011 والتي انتهت بحرب دراماتيكية بدأت في عام 2015 وما زالت حتى الآن. يعاني الشعب اليمني من عدة قضايا تتعلق بالصحة والتعليم وسبل العيش والاضطرابات السياسية. و يعيش حوالي ثلثي الشعب اليمني في المناطق الريفية حيث اعتادت النساء على العمل في الحقول جنبًا إلى جنب مع الرجال ويتحملن على عاتقهن مسؤولية تربية الأطفال ومعالجة العديد من القضايا المنزلية. ومع ذلك، لا تزال مشاركة المرأة في الحياة العامة محدودة لأنها لا تحصل على حقها المشروع في التعلم والعمل والمشاركة في صنع القرار. و لا يزال عمل المرأة في الحياة العامة قضية جدلية داخل المجتمع اليمني، حيث أن الدور الرئيسي التي تلعبه المرأة اليمنية هو الدور الانجابي وما سوى ذلك لا يراه المجتمع ذا اولوية للمرأة. لعقود من الزمن، عملت النساء بجد لدراسة وتثقيف أنفسهن من اجل ان يكن عضوات فاعلات في الحياة العامة. ومع ذلك، حصر المجتمع مشاركة المرأة في أدوار محددة مثل التدريس أو المجال الطبي. و لقد عانت المرأة اليمنية من العديد من التحديات التي حرمتها من المشاركة في الحياة العامة أو من كونها عضوة فاعلة في المجالات الاجتماعية أو الاقتصادية. ومن أحدى التحديات الرئيسية التي تواجه المرأة اليمنية هو الحق في التعليم، حيث يميل المجتمع اليمني إلى تزويج الفتيات في وقت مبكر مما يضعف فرصهن في الحصول على تعليم جيد. وتحكي إحدى النساء اليمنيات قصتها حيث تزوجت عندما كانت في العاشرة من عمرها فقط وأجبرت على التوقف عن الدراسة، وازدادت معاناتها عندما انضم والدها وإخوتها إلى الحرب عام 1994، حيث تعرضت لمعاملة سيئة من قبل زوجها. ومع ذلك، لم تستسلم وتلقت المساعدة من اتحاد نساء اليمن الذي دعمها لمواصلة تعليمها حيث تحصلت على درجة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية وتقدم الآن المساعدة للنساء اللواتي يعانين من نفس المشكلات.
و علاوة على ذلك، يتم التمييز ضد المرأة فيما يتعلق بتكافؤ الفرص في العمل لأنها لا تعتبر أولوية مقارنة بالرجل فيما يتعلق بالعمل وكسب المال الذي يعتبر من مسؤوليات الرجل. وقد اعتاد الرجال في المجتمع اليمني على عدم تقديم الدعم للنساء في الأنشطة المنزلية حيث يعتبرها المجتمع اليمني أنشطة مخصصة فقط للنساء الأمر الذي يجعل من الصعب على المرأة الموازنة بين أدوارها في المشاركة العامة والاجتماعية والسياسية وأدوارها المنزلية. كل هذه التحديات تعتبر المعوقات الرئيسية أمام المرأة التي حرمتها من المشاركة الفعالة في الحياة العامة. فعلى سبيل المثال، هناك حضور للمرأة في العديد من الوزارات، ومع ذلك فمن النادر أن تجد النساء في مواقع صنع القرار.
لكن منذ عام 2011 بعد ما يسمى بثورة الربيع العربي، حدثت تغييرات بسبب مشاركة المرأة في الحياة العامة. حيث أصبح وجود المرأة واضحاً في اليمن في المجال السياسي أو في الجوانب الاجتماعية، ومع ذلك كان يتم التعامل معه دائمًا على أنه دور ثانوي، وليس دورًا أساسيًا بسبب التقاليد اليمنية التي تمنح الهيمنة دائمًا للرجال. قدم هذا التغيير مؤشرات إيجابية على مشاركة المرأة حيث أصبحت قادرة على ممارسة أعمال كانت قلما نرى نساء يعملن فيها مثل البيع في متاجر التجزئة الأمر الذي كان ذلك سابقًا يعتبر عارًا في المجتمع اليمني، ثم توقفت الحياة الطبيعية في عام 2015 بمجرد بدء الحرب في اليمن. و في أوقات الحرب، ينخرط الرجال في أنشطة قتالية تزيد من الأعباء على النساء. فقد وجدت المرأة اليمنية نفسها منذ عام 2015 مسؤولة عن الأدوار الإنجابية والإنتاجية أيضًا، فهن يتحملن مسؤولية رعاية الأطفال، وتوليد الدخل لتغطية متطلبات الحياة الأساسية، واتخاذ القرارات المتعلقة بمعيشة أسرهم. ومن الواضح أن امكانية مشاركة المرأة فيما يتعلق بالانخراط في مجالات الحياة المختلفة في المجتمع اليمني تتغير بشكل كبير حيث وجدت المرأة نفسها تواجه مصاعب الحياة ومطلوب منها مواجهتها بقوة واستقلالية.
وفي نفس السياق، هناك الكثير من النساء اللواتي قاتلن بشجاعة لخلق مساحة خاصة بهن للمشاركة ضد التقاليد الاجتماعية. فيريال مجدي هي واحدة من هؤلاء النساء الشجاعات اللاتي قررن عدم الاستسلام والسعي لممارسة حقها في المشاركة في الحياة العامة. بسبب الحرب، نزحت فريال عدة مرات من مكان إلى آخر، وهي تحمل على عاتقها رعاية ابنتها الصغيرة وأمها المريضة. عملت فريال كمدرسة في مدرسة لمدة عام ساعية من وراء ذلك الى إدرار دخل يساعدها في تغطية احتياجاتهم الأساسية، لكن كان لدى فيريال شعور واسع بالمسؤولية تجاه المجتمع حيث أنشأت مبادرة لدعم النازحين من خلال تقديم جلسات توعية ودعم نفسي. ومع ذلك انتهى بها الأمر بالنزوح مرة أخرى إلى محافظة أخرى. ولكنها لم تستسلم فقد عملت مع إحدى المحطات الإذاعية المحلية، ثم أطلقت بودكاست بعنوان "سلم" ، حيث تقدم معلومات عن التوظيف والجوانب النفسية والتعليمية. الجدير بالذكر أن فريال لا تزال تمول هذا البودكاست بنفسها وتأمل أن تجد يومًا ما دعمًا للحفاظ على البودكاست.
فيريال ليس الوحيدة، هناك الكثير من النساء اللواتي وجدن أنفسهن يقاومن التقاليد ويعملن في مختلف المجالات الموجودة في قطاعات التجارة أو قطاع التصنيع أو قطاع الخدمات. في اليمن، كان من غير المعتاد رؤية النساء يعملن في المتاجر ونقاط البيع والأسواق والمطاعم والمقاهي لكن هذا المنظور عن عمل المرأة تغير هذا إلى حد ما، حيث أُجبرت النساء على تحمل مسؤولية توفير مستلزمات الحياة الأساسية لأسرهن. في دراسة حول تأثير الحرب على النساء سياسياً واجتماعياً واقتصادياً أجرتها مؤسسة اوام ، أشارت النتائج إلى وجود علاقة بين المعيشة الجيدة للمرأة ومشاركتها الاجتماعية، فطالما تتمتع المرأة بوضع اقتصادي جيد فإنها تشارك بنشاط في المجتمع.
في عام 2014، أجرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "تقييم النوع الاجتماعي في اليمن" حول اعتماد النساء مالياً على الرجال وأشارت الدراسة إلى وجود فجوة كبيرة بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالتوظيف لأن فرص النساء أقل من الرجال. إضافة الى ذلك، كشف التقييم أن النساء لا يشاركن بقوة في الاقتصاد غير الرسمي المدفوع الأجر، وبدلاً من ذلك يكرسن الكثير من وقتهن للعمل غير مدفوع الأجر في البيئات الزراعية والمنزلية.
في الواقع، لطالما ألحقت الحروب الضرر بالناس وخاصة النساء والأطفال، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن تؤثر الحرب على النساء بشكل إيجابي. أصبح المجتمع اليمني أكثر قبولًا لعمل المرأة حيث خلص إلى أن مساعدتها ضرورية للبقاء والتعافي. وقد أثبتت النساء أنهن يمكن أن يشكلن أصولاً قيّمة في المجتمع طالما سنحت لهن الفرص. ومع ذلك، تفتقر النساء إلى المهارات الأساسية والأدوات والخبرة التي تمكنهن من المشاركة بقوة وفعالية في المجتمع. في رسالة الماجستير التي قدمتها بعنوان "تأثير الحرب على توليد الدخل والإنفاق على الأفراد من منظور النوع الاجتماعي"، تم الكشف عن وجود تغيير في السلوك فيما يتعلق بقبول المجتمع لعمل المرأة وكذلك المشاركة في صنع القرارعلى مستوى الأسرة. ومع ذلك ، فإن هذا التغيير حدث عرضًا بسبب الحرب وليس من الواضح ما إذا كان تغييرًا دائمًا أم مؤقتًا.
في نفس السياق، يقتصر عمل المرأة بشكل كبير على الأنشطة الاقتصادية الأساسية أو الأدوار القيادية المنخفضة. و من الملاحظ أن النساء يشاركن في الأنشطة الصغيرة المدرة للدخل بدلاً من إنشاء أعمال تجارية كبيرة أو متوسطة الحجم. والأسباب الرئيسية وراء ذلك هي الافتقار إلى المهارات والمعرفة والأدوات الداعمة للمرأة. ومع ذلك، أظهرت دراسة الأثر التي أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أن النساء يتبادلن المهارات والمعلومات المكتسبة فيما بينهن، على عكس الرجال. كما أظهر تقييم للسوق أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أن النساء أظهرن نجاحًا في ممارسة الأعمال التجارية من خلال خلق فرص عمل للآخرين، فضلاً عن تبادل المهارات. أيضاً، أظهرت الدراسة أن النساء حافظن على أعمالهن قائمة أكثر من قدرة الرجال على فعل ذلك.
على الرغم من أن النساء يحاولن جاهدات تنمية قدراتهن، لكن لا تزال هناك حاجة حقيقية للدعم الذي يجب أن تقدمه المنظمات والهيئات ذات العلاقة للمرأة حيث أضعفت الحرب والصراعات المستمرة دور الكيانات الرسمية وأزالت دعم المرأة من الأولوية الأمر الذي يضاعف من مسؤولية المنظمات غير الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية المحلية والجهات المانحة والمجتمع الدولي. لا يزال الدعم المقدم للنساء في شكل مساعدات وتدخلات من قبل المنظمات غير الحكومية غير كاف. ويلاحظ أن هناك تركيزًا أكبر على المشاركة السياسية للمرأة أو المشاركة الاجتماعية مع تركيز أقل على المشاركة الاقتصادية للمرأة. ولكن إذا لم تستطع النساء إعالة أنفسهن، فكيف يمكنهن مساعدة الآخرين، فإن الكفاح من أجل الحصول على الحد الأدنى من الاستقرار المالي لأنفسهن ولأسرهن هو عائق أمام النساء للمشاركة بنشاط في الحياة العامة. لا يمكننا إنكار دور المنظمات غير الحكومية في دعم المرأة، ولكن هذا الدعم يحتاج إلى إعادة النظر. حان الوقت للتصرف بجدية وبشكل مختلف في تمكين المرأة بحيث تصبح أكثر انخراطًا في المهن والأعمال الفنية والقيادية. في تقريرها حول "تقييم النوع الاجتماعي في اليمن - 2014" ، أوصت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بدعم شبكات رائدات الأعمال بطريقة لتبادل أفضل الممارسات وتعزيز الروابط مع جمعيات الأعمال الرئيسية لزيادة قبول رائدات الأعمال. كما أنه سيساعد على توثيق ومشاركة قصص نجاح النساء اللواتي يملكن الأعمال الصغيرة. و في التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2018 ، كان اليمن في نهاية القائمة حيث تشغل النساء 10٪ فقط من وظائف القطاع العام.
في النهاية ، يتطلب تمكين المرأة الكثير من الجهد خاصة لمساعدتها على تحقيق الاستقلال المالي وصنع القرار، وهو ما لن يتحقق بالتركيز على المساعدات الإغاثية فقط أو على تعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية للمرأة. ولكن من الضروري تمكينهن اقتصاديًا أيضًا، والذي يأتي كأولويات قصوى لتحسين وضع المرأة الذي سيساهم على احترام المجتمع وقبوله لمشاركة المرأة. ايضاً، تحتاج المرأة إلى فرض نفسها وعدم انتظار دعم الآخرين لتحقيق تغيير ملموس، فهي بحاجة إلى اكتساب وكسب قبول المجتمع واحترامه وعدم انتظار ذلك من مجتمع لا يرى في مشاركة النساء أولوية.
المراجع:USAID. (2016). USAID Women’s Economic Empowerment and Equality Assessment Report. Retrieved from: womens-economic-empowerment-assessment.pdf (fhi360.org)
UNDP. (2020). Yemen livelihood and human security: Impact assessment 2017-2019. Retrieved from:
https://www.undp.org/content/dam/yemen/Economic%20self-reliance%20and%20recovery/Documents/IMPACT%20ASSESSMENT%20REPORT%202017-2019-%20for%20print.pdf